العجل ورد ذكره 10 مرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

 من مخلوقات الله التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: العجل، ولد البقرة، وهو حيوان معروف، وقد ذكر العجل (10 مرات في القرآن الكريم)، منها 4 مرات في سورة البقرة في الآيات (51، 54، 92، 93)، ومرة في سورة النساء (الآية 153)، ومرتان في الأعراف في (الآيتين 148، 152)، ومرة في هود (الآية 67)، ومرة في طه (الآية 88)، ومرة في الذاريات (الآية 26).

نلاحظ أن المقصود بالعجل في 8 مرات منها: عجل بني إسرائيل الذي كان فتنة لهم، وعبدوه من دون الله، وفي مرتين العجل الحنيذ الذي قدمه سيدنا إبراهيم عليه السلام لضيوفه من الملائكة.

أما قصة عبادة بني إسرائيل للعجل، ففيها الكثير من العبر والفوائد، ذلك أنهم لما عبروا البحر، ونجاهم الله، وأغرق فرعون وقومه، مروا على قوم لهم تماثيل يعبدونها من دون الله، فقال بنو إسرائيل: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، وما ذلك إلا لشدة جهلهم مع ما جاءهم به موسى من البينات والعلم (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). قال ابن جريج: وكان ذلك أول شأن العجل.

صور زائفة

وما أكثر الذين يكون العلم والنور والحق بين أيديهم، ثم يتركون ذلك لصور زائفة وبهرجة كاذبة، إن هم إلا كبني إسرائيل إذ ظلموا أنفسهم فتركوا الهدى والبينات، وأعجبتهم التماثيل والصور، ونسوا نعمة الله عليهم إذ نجاهم، ولم يقف جهل بني إسرائيل عند طلبهم لتماثيل يعبدونها من دون الله، فما كاد موسى يذهب إلى موعد ربه، حتى عبدوا العجل من دون الله.

فجمعوا للسامري ما عندهم من حلي وذهب، فصنع لهم منه عجلاً جسداً، له خوار، وألقى في فمه قبضة من تراب أثر فرس جبريل (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ)، فأعجبهم وأحبوه كثيراً (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي: حبه، فكان كلما صدر الصوت من جوفه سجدوا له، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم، وعبدوه وأشربوا حبه، ولم يعقلوا أنه لا يكلمهم، ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً)، وقال: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً)، وكل هذا لا يليق بالإله المعبودِ، وقيل كانت مدة عبادتهم له أربعين يوماً، فعوقبوا بالتيه أربعين سنة.

نهاية العجل

ويرمز عجل بني إسرائيل إلى كل ما يعبد من دون الله، أو يصرف المرء عن الله، كالدرهم والدينار والذهب والفضة (المال)، وحب الرئاسة والجاه، ونحو ذلك، وكان مصير السامري (صانع عجل بني إسرائيل) ما ذكره القرآن: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ)، وكان مصير العجل الذي عبد من دون الله التحريق والنسف، قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)، وهكذا أحرق العجل ثم نسف في الماء نسفاً، ولو كان إلهاً لدفع عن نفسه الضر، (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).

وأما من عبدوه من دون الله فقد غضب الله عليهم وأذلهم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ). والعلم الحاصل بالمشاهدة أشد وضوحاً من العلم الحاصل بالاستدلال، يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس الخبر كالمشاهدة، أخي موسى أخبره الله بما كان من قومه من بعده من عبادة العجل، ومع ذلك أخذ الألواح فحين شاهد ما صاروا إليه ألقى الألواح»، رواه أحمد وغيره بسند صحيح.

عتاب شديد

ولم يقف غضب موسى لربه ولما آل إليه أمر قومه عند إلقائه الألواح، بل عاتب أخاه عتاباً شديداً، قال تعالى: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وهو موقف يستحق التأمل، وكيف أن هارون دافع عن نفسه بالحجة والبرهان، وموسى عليه السلام تفهم موقف أخيه وقبل حجته ودعا له.

وقد ورد عن ابن مسعود أنه قال: «أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟». ولا شك أن عجل هذه الأمة هو الدنيا، والتنافس فيها، فليحذر المسلم أن يسير على طريقة بني إسرائيل إذ ضلوا السبيل.

Email