أوهن البيوت.. وأقوى الخيوط

 

من عجيب ما خلق الله تعالى وصوّر، وأحكم في خلقه وأبدع، وتفرد بالإيجاد وأتقن، دون احتياج إلى من يساعده، أو افتقار إلى من يسانده، هذا المخلوق العجيب المسمى بـ (العنكبوت)، الذي اختار الله تعالى له سورة في القرآن الكريم سُمِّيت باسمه، قال فيها سبحانه وتعالى: ((مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)) العنكبوت/41، وهذا مثل يضربه الله تعالى لمن يعبدون غير الله، أو يستعينون بغير الله تعالى، حيث إن عبادتهم لغير الله سبحانه لا تغني عنهم من عذاب الله من شيء، فكما أن بيت العنكبوت يعتبر غاية في الضعف والوهن، فكذلك من يُسْتعان به وما يستعان به من دون الله، هو أيضاً غاية في العجز وعدم القدرة، ومن فقد القدرة على حماية نفسه، فهيهات أن يحمي غيره، فما أجهل هؤلاء المستعينين بغير الله عز وجل، ولو كانوا يعلمون ما ينتظرهم من عذاب، ما عبدوا من دون الله من شيء.

سبب التسمية

لعل الحكمة في تسمية هذه السورة بهذا الاسم، ما ورد فيها من الحديث عن العقيدة وأصولها من حيث الوحدانية، والرسالة، والبعث، والجزاء، ثم ما ذكره سبحانه وتعالى من قصص الهالكين من الأمم الغابرة بسبب فساد عقيدتهم، كقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم هود، وقوم صالح، وقارون، وفرعون، وهامان، فكان ما كان من شأن إهلاكهم وتدميرهم، جزاء غرورهم واستكبارهم، قال الله تعالى: ((فكلاً أخذنا بذنبه.....))، ثم ربط سبحانه وتعالى بين هذا الإخبار وبين الذين اتخذوا من دون الله أولياء، موضحاً أن من احتمى بغير الله كمن احتمى ببيت العنكبوت، ولو كان هؤلاء يعلمون ما أَعده الله لهم من عقاب بسبب كفرهم، ما ركنوا لغير الله عز وجل وما عبدوا غيره.

أما عن الكائن العجيب المسمى بـ (العنكبوت)، والذي يعد آية من آيات الله في خلقه، فإن العقل البشري يقف متحيراً مسْلماً قياده لربه القوي القادر الذي أحسن كل شيء خلقه، ويسر لكل مخلوق رزقه، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

بيت العنكبوت

لو أن إنساناً أراد أن يبني لنفسه بيتاً، لجمع له المهندسين والاستشاريين، وبعد تشاور وتحاور قد لا يتم البناء بالإحكام الذي كان يريده صاحبه، لكن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، أودع في غير الآدميين ما يغنيهم عن كل ما سوى الله عز وجل، فكل كائن بما أودع الله فيه من معرفة، وما ألهمه من إدراك، يبني بيته، ويحصل على غذائه، ويدافع عن نفسه، ويحمي زوجته وأولاده، بما أودع فيه سبحانه وتعالى من إمكانات تساعده على ذلك.

فانظر معي أيها القارئ الكريم إلى العنكبوت كيف يبني بيته؟ إنه يبنيه من هذه الخيوط الدقيقة التي يفرزها هو ويبني منها بيته في دقة متناهية، يعجز عنها عباقرة المهندسين من البشر، والعجيب أن الذي يقوم بالبناء هو الأنثى التي تسمى (العنكبوت)، أما الذكر فيسمى (العنكب)، والكل يجمع على عناكب، ويحتاج بيت العنكبوت في بنائه إلى(000 .400) خيط من الخيوط الحريرية بالغة الدقة، لدرجة أن شعرة الآدمي يزيد سمكها على سمك خيط العنكبوت بمقدار 400 ضعف، ومع هذه الدقة البالغة، فإن خيط العنكبوت يعتبر أقوى الخيوط الطبيعية على الإطلاق، ولذلك يطلق عليه اسم (الفولاذ البيولوجي)، لأن المادة المطاطية التي توجد فيه هي التي تكسبه هذه القوة الفولاذية.

وفي النهاية، قد يتساءل القارئ هل العناكب من الحشرات الضارة التي يتمنى الإنسان زوالها من الوجود؟ أم أنها تعد من أصدقاء الإنسان؟ والجواب: إن العناكب من أصدقاء الإنسان، رغم أننا لا نحب أن نراها في بيوتنا، لكن هناك عبارة تقول: ((لولا العناكب لما كان للإنسان مستقر على الأرض))، لأنها تلتهم جميع حشرات البيوت وغيرها، فهي صديق للإنسان وليست عدوّاً له. وبعد: فهذا نوع آخر من أنواع المخلوقات، كنا نحسبه عدوّاً لنا، والواقع أنه لنا نِعم الصديق، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

أنواع العناكب

العناكب كائن متعدد الأنواع والأجناس والرتب، فمن أنواع العناكب الأرملة السوداء، الأرملة الحمراء، الصيادة، الذئبية، النساجة، القافزة، السرطانية، آكلة الطيور، عناكب الماء الرتيلاوات، وهذه الأخيرة أكثر من (40,000) نوع، و(3,700) جنس، وأكثر من (100) فصيلة، وتختلف أحجام العناكب حسب اختلاف أنواعها، فبعضها لا يزيد حجمه على حجم رأس الدبوس، وبعضها يصل حجمه إلى حجم كف يد الإنسان، ويتكون جسم العنكبوت من جزئين أساسين، هما رأس صدري مكون من الرأس الملتحم مع الصدر والبطن.

 وكل من الجزئين له زوائد، ويرتبط الرأس مع البطن بخاصرة دقيقة تسمى (السويقة)، وتوجد عيون العناكب في الجزء العلوي من الرأس، ويختلف عدد العيون باختلاف أنواع العناكب، فمنها ما له ثماني عيون، ومنها ما له ست، ومنها ما له أربع، ومنها ما له عينان، أما عناكب الكهوف فلا عيون لها إطلاقاً، لأنها تعيش في ظلام دائم، ومعظم العناكب لها ثماني أرجل.