ما حكّ جلدك مثل ظفرك

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية. هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

هذا قول حكيم مأثور عن الإمام الشافعي، للدلالة على أنه لا ينبغي أن نكلف آخرين للقيام بأعمال تخصنا أشد الخصوصية، بحيث إن التفريط فيها يسبب لنا المشاكل المباشرة، خاصة وأن الآخرين لا يستشعرون مدى حساسية وأهمية المسألة التي نوكلها إليهم طلباً للراحة وتملصاً من تحمل مسؤولية مشكلاتنا. ولذلك قال:

ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفرك

فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ

والإمام الشافعي هو أحد أئمة المسلمين الأربعة وهم: الإمام مالك، صاحب المذهب المالكي، والإمام أبو حنيفة النعمان، صاحب المذهب الحنفي، والإمام الشافعي، صاحب المذهب الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي.

الشافعي شاعر مجيد، ومما اشتهر من شعره الحكيم قصيدة:

دع الأيام تفعل ما تشاءُ

وطب نفساً إذا حكم القضاءُ

ولا تجزع لنازلة الليـــــــــالي

فمـــــــــا لحــــــــــــــــــوادث الدنيــــــــــــــــــا بقــــــــــــــــــــــاءُ

ولد الشافعي في غزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان حتى لا يضيع نسبه القرشي، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ «كتاب الإمام ملك» وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو ابن دون عشرين سنة. هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).

عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ .

مما يروى عن فراسته وذكائه أنه كان ذاتَ مرةٍ جالساً مع الحميدي ومحمد بن الحسن يتفرسون الناس في السوق، فمر رجل فقال محمد بن الحسن: «يا أبا عبد الله انظر في هذا»، فنظر إليه وأطال، فقال ابن الحسن: «أعياك أمره؟»، قال الإمام: «أعياني أمره، لا أدري خياط أو نجار»، قال الحميدي: فقمت إلى الرجل فقلت له: «ما صناعة الرجل؟»، قال: «كنت نجاراً وأنا اليوم خياط»!.

 

Email