سبقَ السيفُ العذلَ

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية.

هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

العاذل هو اللائم، وما أكثر العاذلين في الشعر العربي وما أشد بغض العشاق لهم، لأنهم يحاولون صرف المتيمين عن معشوقيهم، رأفة بهم، ولكن من يسمع حين يفور تنور الغرام؟، وأما المثل الذين بين أيدينا »سبق السبق العذل« فمعناه أن فعل السيف في القطع قد تم، فلا قيمة للوم بعده.

النعمان بن ثواب العبدي رجل من زعماء العرب حكيم، كان له ثلاثة بنين: سعد وسعيد وساعدة. سعد كان شجاعاً بطلاً من فرسان العرب، وأما سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسؤدده. وأما ساعدة فكان صاحب ندامى وخندريس. فلما رأى الشيخ حال بنيه دعاهم كلاً على حدة، وأوصاهم بما يناسب حالهم.

فقال لسعيد وكان جواداً: يا بُني، لا يبخل الجواد، فابذل الطارف والتالد وأقلل التلاح، وابلُ إخوانك، أي اختبرهم لتعرف صدق مودتهم، فإن وفيّهم قليل، واصنع المعروف عند محتمله ثم توفي النعمان.

وبعد حين قال سعيد، وكان جواداً سيداً: لآخذن بوصية أبي، ولأبْلُوَنّ إخواني وثقاتي. فعمد إلى كبش فذبحه ثم وضعه في ناحية من خبائه وغشاه بثوب، ثم دعا إخوانه واحدا تلو الآخر، فقال: يا فلان إن أخاك من وفى لك بعهده، ونصرك بوده، فيقول أحدهم: صدقت. فهل حدث أمر؟، قال: نعم. إني قتلت فلاناً، وهو الذي تراه في ناحية الخباء، ولا بد من التعاون عليه حتى يوارى، فما تقول؟ قال: يا لها من سوءة وقعت فيها.

قال: إني أريد أن تعينني عليه حتى أغيّبه.

قال: لست لك في هذا بصاحب، وتركه وخرج.

وهكذا حتى بعث إلى إخوانه وجل ثقاته فردوا عليه مثل جواب الأول، ثم بعث إلى رجل يقال له خزيم بن نوفل، فلما أتاه، قال له: يا خزيم، مالي عندك؟ قال ما يسرّك، وما ذاك ؟ قال: إني قتلت فلاناً، وهو الذي تراه مسجّى.

قال: ذاك أيسرُ خطب. فماذا تريد؟ قال: أريد أن تعينني حتى أغيّبه.

قال: هان ما فزعت فيه إلى أخيك.

وكان غلامٌ لسعيد قائماً بينهما، فقال خزيم: هل اطّلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا؟ قال: لا. فأهوى خزيم إلى الغلام فضرب عنقه بالسيف، فارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه، وقال ويحك. ما صنعت؟ وجعل يلومه. فقال خزيم: إن أخاك من واساك. قال سعيد: فإني أردت أن أبلوك، ثم كشف له عن الكبش، وخبّره بما لقي من إخوانه وثقاته، وما ردّوا به عليه. فقال خزيم: سبق السيف العذل.. فذهبت مثلا.

Email