أعطِ القوس باريها

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحطيئة من أشهر شعراء العرب في الهجاء، دخل يوماً على سعيد بن العاص الأموي في قصره وهو يولم الناس وليمة بالمدينة، وكان سعيد من أجود العرب في زمانه، وكان الحطيئة يرتدي ثياباً رثة، فجلس الحطيئة يأكل بشراهة ونهم ؛ فلما فرغ الناس من طعامهم وخرجوا، جلس الحطيئة مكانه فأتاه الحاجب ليخرجه، فامتنع وقال:

أترغب بهم عن مجالستي؟ إني بنفسي عنهم لأرغب.

فلما سمع سعيد ذلك منه وهو لا يعرفه، قال لحاجبه: دعه.

وأخذوا في الحديث والسمر يتذاكرون الشعراء والشعر. فقال لهم الحطيئة: أصبتم جيد الشعر، ولو أعطيتم القوس باريها لوقعتم على ما تريدون.

فانتبه له سعيد:

فقال له: من أنت ؟

فعرفه بنفسه، فقال سعيد:

حياك الله يا أبا مليكة؛ ألا أعلمتنا بمكانك ولم تحملنا على الجهل بك فنضيع حقك ونبخسك قسطك.

وأدناه وقرب مجلسه واستنشده ووصله.

يقول الشاعر متمثلاً بهذا المثل:

يا باري القوس برياً ليس يحسنه

لا تظلم القوس أعط القوس باريها

وهو مثل تضربه العرب عند الاستعانة على أمرٍ ما بأهل المعرفة والحذق به.

أهل الإمارات لهم أمثال وحكم في هذا الصدد، من ذلك قولهم:

«عَطَ خبزك للخباز ولو باق نصه» بمعنى ولو سرق شطره، وقولهم كذلك «لو كل من يه ونير ما خلف في الوادي شير». بمعنى لو كل من هب ودب جاء ينجر، ما بقي في الوادي شجر، لكثرة وسوء نجارة الكثيرين ممن لا يحسنون النجارة.

وهذا المبدأ العام يؤمن عليه علم الإدارة وتنمية الموارد البشرية، حيث تعمد العلوم الحديثة إلى تأهيل ورفع كفاءة من يقوم بالعمل، حتى يحقق أمثل انتاجية ممكنة من الناحيتين الكمية والنوعية، من خلال توظيف القدرات والمهارات والخبرات المكتسبة في اقل مدة وأقل تكلفة وافضل صورة ممكنة.

والإسلام جعل من علامات وأشراط الساعة وآخر الزمان، قيام من ليس أهلاً للأمر بما لا يحسنونه، فيعيثون فيه ويفسدونه ويدفع المجتمع برمته ثمن ذلك النوع من خبط العشواء الناجم عن توسيد الأمر إلى غير أهله.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وُسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. أي أن القيامة حينئذ قد اقتربت، حيث يتولى موقع اتخاذ القرار كل من ليس أهلاً للأمر، بسبب المحسوبية والمحاباة.

والعاقل لا يوكل أمراً مهماً إلى شخص ليس كفؤا له، حتى لو كان أجره الذي يتقاضاه زهيدا، لأنه سيفسده، بل يسلم الأمر إلى خبير حتى لو كان أجره عالياً.

Email