الحلم سيد الأخلاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية. هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

تقول العرب: الحلم سيد الأخلاق، أي أنه أهمها وأشدها دلالة على أن الحليم هو أكرم الناس وأفضلهم سيرة وسريرة، وفيما يلي نسرد قصصاً تؤكد هذا القول الذهبي:

تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن بن زائدة وما هو عليه من وفرة الحلم ولين الجانب وأطالوا في ذلك، فقام أعرابي وآلى على نفسه أن يغضبه، فقالوا: إن قدرت على إغضابه فلك مئة بعير، فانطلق الأعرابي إلى معن ووقف أمامه طافح العينين كالخليع، تارة ينظر إلى الأرض وتارة ينظر إلى السماء، ثم قال:

أتذكر إذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعيـرِ؟

قال معن: أذكر ذلك، فقال الأعرابي:

فسبحان الـذي أعطـاك ملكـاً وعلّمك الجلوس على السريرِ

فقال معن: سبحانه وتعالى، وقال الأعرابي:

فلست مُسَلِّماً ما عشتُ حياً علـى مـعـن بتسلـيـم الأمـيـرِ

قال معن: إن سلَّمت رددنا عليك السلام، وإن تركت فلا ضير عليك، فقال الأعرابي:

سأرحل عن بلاد أنت فيهـا، ولو جار الزمان على الفقيرِ

فقال معن: إن أقمت بنا فعلى الرحب والسعة، وإن رحلت عنا فمصحوباً بالسّلامة، فقال الأعرابي وقد أعياه حلم معن:

فجـد لـي يابـن ناقـصـة بـمـال فإني قد عزمت على المسيرِ

فقال معن لرجاله: أعطوه ألف دينار. فأخذها وقال:

قليـل مـا أتيـتَ بـه وإنـي لأطمع منك بالمال الكثيرِ

فثنِّ فقد أتاك الملك عفواً بــلا عـقـل ولا رأي مـنـيـرِ

فقال معن: أعطوه ألفاً ثانياً. فتقدّم الأعرابيّ إليه وقبّل يديه ورجليه وقال:

سألت الله أن يبقيـك ذخـراً فما لك في البرية من نظيرِ

فمنك الجود والإفضال حقـاً وفيض يديك كالبحـر الغزيـرِ

فقال معن: أعطيناه على هَجوِنا ألفين، فأعطوه على مدحنا أربعة آلاف. فقال الأعرابي: نفسي فداك، ما فعلت ذلك إلا لمئة بعير جُعِلَت على إغضابك. فقال معن لا خوف عليك، ثم أمر له بمئتي بعير، نصفها للّرهان والنصف الآخر له.

ويوماً دخل عمر بن عبدالعزيز المسجد في الظلمة، فعثرت قدمه برجل نائم، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ قال عمر: لا، ولما سئل قال سألني فأجبته.

وقال رجل لوهب بن منبه: إن فلاناً شتمك، فقال للرجل: أما وجد الشيطان بريداً غيرك؟

وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس فشتمه، فما رد عليه، فأعاد الرجل فسكت عنه، فأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: «والهفاه، ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عنده».

Email