ذهب الكلام

القطو العود ما يتربى

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

هذا مثل إماراتي ذهبي، شديد الدلالة: القطو العود ما يتربى. والعرب لا تزال تردد الكلام المأثور عن شيخ الإسلام التابعي/ الحسن البصري قال: العلم في الصغر كالنقش على الحجر.

وعلماء التربية الحديثة أيضاً قالوا إن التعليم في المرحلة السنية المبكرة، قد لا يعوض مهما اجتهدنا في طلبه، لاحقاً، لأن في الصغر يكون الاستعداد الذهني بكراً خصباً يتلقى المعلومات بانبهار وسعادة، فيهضمها ويصدقها بقوة وإيمان، وأما في مرحلة الشيخوخة، فيقابل المرء المفاهيم الجديدة بالشك والبلبلة الناجمة عن مراكمة جملة متباينة من المفاهيم والقيم المعرفية الناجمة عن التجارب والخبرات التي تتراوح بين الصحيحة والخاطئة وحتى المشوبة بالخلل والظن. ولذلك يصعب توجيه الفرد تربويا وتقويمه وتشكيله على النحو المراد.

إن الإنسان بعد مرحلة النضح ترسو المفاهيم والمعارف لديه، بصورة يكون مقتنعا بها، واثقاً من جدواها، جراء تفاعله مع أوساط تؤيد وترسخ فيه حتى الأفكار الساذجة التي عهدها واعتادها بوصفها مسلمات عاش طوال عمره يتعاطاها ويوظفها في حياته.

إن تكييف المرء بطريقة جديدة، من أصعب المهام، لأن إعادة التشكيل تحتاج إلى مهمة أخرى أصعب منها، ويجب أن تسبقها، تلك هي مهمة تفكيك بنية القناعات والخبرات المـتأسسة لديه، ولذلك تجده يتمرد على فكرة نقض ما ظل مبنياً في عقله ووجدانه من قيم، بغض النظر عن قيمتها، فهي مكتسباته التي تأقلم معها وعاشها وتعايش بها مع محيطه، فكيف ينبذها فجأة ليؤسس منظومة قيم جديدة، بشروط جديدة؟.

مهمة شاقة بالفعل، لأنها مسيرة إبدال وإحلال، نقض وبناء، ولا أحد يفرط في أشيائه الأثيرة على نفسه، مهما بدت للآخرين بلا قيمة.

ومن ناحية أخرى فإن المثل يدعو كذلك إلى اختيار العناصر الشابة، غير الملوثة بالأفكار البائدة، التي أكل عليها الدهر وشرب، ولذلك يجب أن نختار لأهدافنا عناصر جديدة، طازجة، يسهل تكييفها وفق شروط الواقع الجديد والأفق المستهدف، لأنها تكون أكثر طواعية ومرونة واستجابة للجديد ممن يتمسك بخبراته العقيمة التي لا تناسب المقام الجديد بل ربما تفسده، بينما هو يعتبرها مقدسات!.

إن هناك نظريات جديدة في مجال الموارد البشرية تعتبر الخبرة عبئاً في بعض الأحوال، خاصة إذا كانت مكتسبة ضمن بيئة عمل غبر سوية، أو غير مناسبة لبيئة العمل الجديدة، وفوق ذلك فإن صاحب الخبرة غالباً ما يساوره الاغترار بخبراته، فكل فتاة بأبيها معجبة، وإذا طلب منه أداء العمل بطريقة جديدة تنمّر وتحول إلى قط فظ وعصبي، يأبى تغيير طريقته وأسلوبه، لماذا؟.. لأن القطو العود ما يتربى.

Email