حافظ ونزار والبردّوني... الاحتفاء بفضائل الأم

ت + ت - الحجم الطبيعي

بر الوالدين، معروف لا مراء فيه، وواجب لا يستنكف عنه أحد، إلا من سفه نفسه، وأما دور الوالدين نفسه، وخاصة فضل الأم، فذاك عمل لا يكافأ، ولا يجارى إلا بمثله، أي بأن نعلب الدور ذاته أو خيراً منه، مع أبنائنا. ولقد قال حافظ إبراهيم في حق الأمهات، وإن حقهم لعظيم، كلاماً يطرب أكثر مما أطربه تالياً هنا:

إنـي لـتطربني الخلال كريمةً

طـرب الـغريب بـأوبة وتـلاقِ

وتهزّني ذكرى المروءة والندى

بـيـن الـشـمائل هِــزّة الـمشتاقِ

فــإذا رزقــتِ خـلـيقةً مـحـمودةً

فـقـد اصـطـفاك مـقسّم الأرزاقِ

فـالـناس، هــذا حـظـه مــال، وذا

عــلـم، وذاك مــكـارمُ الأخــلاقِ

والـعـلم إن لــم تـكـتنفه شـمائل

تـعـلـيه، كـــان مـطـية الإخـفـاق

مــن لــي بـتربية الـنساء فـإنها

فـي الـشرق عـلة ذلـك الإخفاق

الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا

أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق

ويقول نزار قباني الذي شرّق في التمرد الاجتماعي وغرّب، وفاء لقلبه المدنف اللاهث وراء كل جميل مهما كلفه الأمر، بيد أنه ما حاد قيد أنملة عن تقديس شامه وأمه والوفاء لها وهاهنا نقتطف من بستانه الإنساني كليمات يناغي خلالها أمه رغم بعدها عنه يلقي عليها التحية:

صباح الخير يا قدّيستي الحلوه

مضى عامان يا أمي

على الولد الذي أبحرْ

برحلته الخرافيّه

وخبأ في حقائبهِ

صباح بلاده الأخضرْ

وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمرْ

وخبّأ في ملابسهِ

طرابيناً من النعناع والزعترْ

وليلكةً دمشقيّة..

وأجمل ما في هذه الرسالة أنها تعكس خصوصية علاقة الولد الشقي مع أمه التي تدخر مغامراته وأسراره داخل قفصها الصدري.وفي الحقيقة فإن الاعتراف بجمائل الأم ديدن كثير من الشعراء مثلاً يقول عبدالله البردوني:

كم تذكّرت يديك وهما

في يدي أو في طعامي وشرابي

كان يضنيك نحولي وإذا

مسّني البرد فزنداك ثيابي

وإذا أبكاني الجوع ولم

تملكي شيئاً سوى الوعد الكذاب

هدهدت كفاك رأسي مثلما

هدهد الفجر رياحين الرّوابي

بين جنبيك جراح في التهاب

ها أنا يا أمّي اليوم فتى

طائر الصّيت بعيداً كالشهاب

أملأ التاريخ لحناً وصدى

وتغنّى في رُبا الخلد ربابي

Email