المهلب بن أبي صفرة ونجاعة الاتحاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما من أحد ينكر قدر الوحدة ودورها في صنع المستحيل، لأنها تحقق أولاً المنعة والردع ضد محاولات النيل والعدوان، كما أنها توفر التعاضد وتضافر الجهود بما يعني مضاعفة القوة وسد الثغرات بائتلاف القوى المتحدة، وفوق ذلك فإنه تبعث في نفوس المتحدين الثقافة والشعور بالأمان، لأن نقاط ضعف أحدهم يعوضها الآخر الذي يحمسه ويرفع معنوياته باعتبار أنهم في قارب واحد، ولابد من توزيع الأدوار حتى ينجو الجميع ويخرج إلى بر الأمان ويبلغ الهدف.

التشتت والتشرذم يخسر كل تلك المزايا دفعة واحدة، ولا يجني الذي يشذ عن الجماعة إلا الوهم والوهن والهزيمة في نهاية المطاف مهما بلغ من القوة، وتراث مختلف الشعوب يزخر بقصص تمجيد التعاضد ولم الشمل والكلمة مقابل قدح مآل التبعثر وتأكيد حتمية مصيره البائس.

يروى أن المهلب بن أبي صفرة لما أشرف على الوفاة، استدعى أبناءه السبعة.. ثم أمرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم أن يكسروها، فلم يقدر أحد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا أن مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضاً، لا ينال منكم أعداؤكم غرضاً، أما إذا اختلفتم وتفرقتم، فإنه يضعف أمركم، ويتمكن منكم أعداؤكم، ويصيبكم ما أصاب الرماح:

كونوا جميعاً يا بنيّ إذا اعترى

خطبٌ ولا تتفرقوا آحاداً

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

وإذا افترقن تكسرت أفراداً

نلحظ أن الأوساط الثقافية والسياسية تردد البيت الثاني غالباً وتغير في قافيته، فيقال: «تأبى الرماح إذا افترقن تكسراً وإذا اجتمعن تكسرت آحاداً» والصحيح هو ما أوردنا أعلاه، رغم أن ثمة قولاً يذهب إلى أن هذين البيتين لا ينتسبان إلى المهلب، ولكن قصة الرماح وأبنائه صحيحة وثابتة، فجاء شاعر من بعده وصاغ تلك المعاني في نظم شعري جميل فسارت مثلاً وحكمة شهيرة في صميم التراث العربي.

غير أن التراث العربي به غير قليل من الشواهد والمأثورات التي تصب في هذا الرأي، ولعل من أنسب القصص الشهيرة بهذا الصدد، حكاية «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، حيث انفرد الأسد الواحد بالثيران الثلاثة لأنها قبلت بالمساومات المنفردة مع العدو طلباً للنجاة، فكانت النتيجة هي هلاك الجميع فرادى، واحداً بعد الآخر.

ولكن من هو المهلب صاحب هذه القصة الملهمة والأبيات والموحية الحكيمة؟ إنه المهلّب بن أبي صفرة الأزدي، وكنيته أبو سعيد، من ولاة الأمويين على خراسان، تولى حكمها عام (78هـ - 697م) فقام بفتوح واسعة فيما وراء بلاد النهر، حيث قاد المهلب حملة فرض بها سيطرة الدولة الأموية على أراضي ما وراء النهر، وكان لها أكبر الأثر في إثراء الحضارة الإسلامية، وقد برز في تلك المناطق علماء مثل الخوارزمي والبخاري وغيرهما.

Email