ثلاثة ضوابط لاصطحاب الأطفال إلى بيوت الله

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتأمل في واقع كثير من المسلمين في مسألة اصطحاب الأطفال إلى المساجد يلاحظ أنهم ما بين إفراط وتفريط في التعامل مع هذا الأمر، فبعض المصلين يرفض اصطحاب أبنائه إلى المسجد رفضاً قاطعاً، ويرى في الأمر خطأ كبيرا وذنبا عظيما، وربما كبر الابن وهو لم يتعود على المسجد ولا تردد عليه فينشأ وليس للمسجد قيمة في نفسه.

وقسم آخر يأتي بأولاده إلى المسجد ثم يطلق لهم العنان فيسرحون ويمرحون ويعبثون، ويتخذون المسجد مكاناً للعب أشبه بمنتزه من المنتزهات، بل قد يتجاوزون إلى إيذاء أنفسهم حينما يعبثون بأجهزة الكهرباء أو التكييف، وأيضاً إزعاج المصلين بالتشويش عليهم وقطع صلاتهم بالمرور من أمامهم أو إحداث جلبة وأصوات تؤدي إلى تشتيت أذهان الراكعين الساجدين، ومن ثم يذهب الخشوع عن المصلين، وغالباً ما يحصل هذا في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك.

وفي اعتقادي أن عدم اصطحاب الأطفال إلى المساجد أو اصطحابهم بغير ضوابط، كلاهما سلوك لا يتفق مع النصوص الشرعية ولا مع ما ثبت من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال في المساجد.

والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من وجه إذنه لدخول الاطفال إلى المساجد ، فقد كان يسمع بكاء الصبي في المسجد فيخفف الصلاة رحمة بأمه، كما في حديث أنس رضي الله عنه، عن الترمذي وغيره، وروى أحمد والترمذي وغيرهما من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال :

(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاءه الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما بين يديه، ثم قال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ثم أخذ في خطبته.

وروى البخاري من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها، وكذلك كان صغار الصحابة كأنس بن مالك وعبدالله بن الزبير وباقي أولاد الصحابة يدخلون المسجد ويقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على دخولهم، بل هو القائل صلى الله عليه وسلم :

(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين) رواه أبو داوود من حديث ابن عمر. وفي المقابل لم نجد هذا الكم من النصوص التي ترخص في اصطحاب الأطفال إلى المساجد، بل ما ورد من الزجر من إدخالهم إلى المساجد إنما هو ضعيف جداً مثل حديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم)، لأن حرمة المسجد وقدسيته كامنة في نفوس المسلمين.

ويظهر والله أعلم أن أغلب المصلين ممن يترك أولاده بهذه الصورة لا يقصد الأذية بقدر عدم معرفته بالأحكام المتعلقة بالتعامل مع الأطفال في المسجد. ولذلك أوجه الآباء والأمهات إلى جملة من التوصيات التي تسهم بإذن الله في تحقيق المقصد الشرعي من اصطحاب الأولاد إلى المساجد. أولاً: استهداف الأطفال منذ وقت مبكر بالتربية والتوجيه في ترسيخ قيمة المسجد وقدسيته وبيان حرمته، وأنه بيت الله تعالى ولا يجوز فيه العبث ولا رفع الأصوات ولا يجوز تلويثه وإيراد الأحاديث الواردة في حرمة المسجد.

وثانياً: على الوالدين أن يجعلوا أولادهم إلى جوارهم في الصلاة، وألا يتركونهم يعبثون داخل المسجد أو يتجولون بين الصفوف، والجلوس إلى جوار الأب وهو أمر مشروع لا يقطع الصف على الصحيح الراجح من قول أهل العلم. ثالثاً: إذا كان الطفل صغيراً في السن وكان في اصطحابه ضرورة أو حاجة، فعلى والده أو أمه أن يحمله على يديه أثناء القيام ويضعه أثناء الركوع والسجود، وهذه الحركة لا تبطل الصلاة ، قال ابن رجب رحمه الله: (فمجموع هذه الروايات يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة بالناس إماما لهم في صلاة الفريضة ، وهو حامل أمامة، وأنه كان إذا ركع وسجد وضعها بالأرض.

Email