عثمان الرشيد.. سرّ عودة سكان الراشدية كل جمعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ممرات ضيقة وبيوت متراصة وأشجار كثيفة وهدوء محسوس وبساطة ملموسة، تحيط بالطريق الواصلة إلى حيث يقطن عثمان علي الرشيد إمام وخطيب مسجد العتيبة في منطقة الراشدية في دبي، في سكن الإمام ضمن فناء المسجد الذي يتسع لبيوت أخرى مقنعة ومريحة للمؤذن وخادم المسجد. تلك الأجواء، أضف إليها العلاقات المتشعبة والمتشابكة بين السكان، تمنح الرشيد، القناعة والبساطة والخبرة الممتدة لسنوات، وهي سمات واجبة في إمام المسجد الذي لا بد وأن يظل محور ارتكاز »الفريج« بأكمله، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً.

لا أحد يدخل إلى المسجد لا يعرفه عثمان الإمام، إلا عابر السبيل، وباقي الوجوه مألوفة منذ سنوات، وتتكرر في اليوم خمس مرات، أما المسجد فهو بيت الله، وليس أجل من هذا التكريم لشخص في وظيفة، كما يؤكد الإمام.

الرشيد؛ سوداني الجنسية يبلغ من العمر 74 عاماً، قدم إلى الإمارات مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعمل مدرساً وإماماً متعاوناً، وتنقل خطيباً في 120 مسجداً على أرض دبي الشاسعة، ثم انتظم إماماً وخطيباً في مساجد عدة، له في كل واحد قصة أو أكثر.

في »العتيبة« مسجده الذي يستأثر بالجهد الأكبر والاهتمام الأوفر من حياته، يعيش الرشيد حالة عشق وولاء وارتياح لا يجدها كثيرون، تبدأ منذ أن يفتح أبوابه في عتمة الفجر، وحتى إغلاقها قبل ظلمة منتصف الليل، إلا في رمضان تظل مفتوحة، وكل أبناء الحي وساكنوه لهم من قلب ولسان وإحساس الرشيد، اهتماماً جميلاً ينثره بروحه المرحة والمتواضعة من وحي الأبوة والمسؤولية.

على الإمام كما يقول عثمان، أن يعرف المصلين بأسمائهم، ويتعرف إلى أحوالهم، ويسعى إلى تقديم المساعدة اللازمة لهم، فهو رفيقهم في 5 أوقات يومياً، وما يحزنه في هذا النطاق، هجرة الكثير من المواطنين المحيطين بمسجده في الراشدية للسكن في مناطق أبعد، مثل ند الحمر ومزهر، وبذلك يفقد الإمام وجوهاً كثيرة ألفها وتعايش معها لسنوات، ليستقبل وجوهاً جديدة، غالبها من الآسيويين.

عزاء الإمام في هذا الفقد، أن المواطنين أبناء الراشدية، يعودون إلى المسجد كل يوم جمعة لأداء الصلاة فيه، من واجب الإخلاص والولاء للمكان الذي ألفوه منذ قديم الزمان، ومن شدة ارتباطهم بالإمام، لدرجة أن يتصل بهم واحداً واحداً معاتباً من تخلف عن القدوم إلى المنطقة في هذا اليوم.

أثناء سفره النادر إلى بلده في الإجازة، يحرص عثمان الرشيد على التواصل مع المؤذن والفراش، ليطمئن على المسجد والمصلين، كما ويحث أبناءه على الاهتمام بشؤون المسجد من حيث التكييف والنظافة والصيانة خلال فترة غيابه، مضيفاً ان تفكيره يظل معلقاً بمسجده أينما حل، وهو ما يفرض عليه البقاء في رحاب السكن والمسجد لأطول فترة ممكنة، تصل في المتوسط اليومي 7 ساعات يومياً داخل المسجد وحده، يمضيها في الذكر وتلاوة القرآن والصلاة، ولقاء الجيران، وتقديم الدروس والنصح والتوجيه للمصلين.

صغار الراشدية لهم مع الإمام قصص كثيرة، فعقب كل صلاة يتسابقون للسلام عليه وتحيته، وهو ما فعله مواطن أيضاً، ظل يتتبع مكبرات الصوت في إحدى الصلوات، إلى أن وصل إلى المسجد ليسلم على معلمه قبل 30 عاماً، وقد عرفه من صوت قراءته للقرآن. علاقة الإمام عثمان الرشيد مع الشباب تحديداً لا تبدو انعكاساً لفارق العمر الكبير بينهم، فهو يحرص على أن يبقى صديقاً وفياً لهم، فيؤثر فيهم حد الرغبة في العودة إلى المسجد في كل الصلوات، وينصحهم وينهاهم ويرغبهم بكل ما يستطيع. ويقول: »الحمد لله أني أرى وألمس أثر تصفيد الشياطين في رمضان من هذا الإقبال الشبابي الكبير على الصلاة والعبادة في الشهر الفضيل«.

Email