أسد أحمد: الإمام «أسير» المسجد في رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد وترعرع في كنف أسرة ربته على مائدة كتاب الله وسنة نبيه، ورسمت له طريقاً نحو تحقيق حلمه بالإمامة والخطابة، تعلق قلبه بالمسجد والأذان في سن مبكرة، لم تمنعه ظلمة الليل ولا برودة الشتاء ولا »بعد المسافة« عن أداء الصلوات حاضرة، ولا عن الصعود إلى قمة المئذنة لرفع نداء الله، وبفضل الرعاية الأسرية، وملازمة بيت وكتاب الله، والعزيمة والإصرار، تمكن أسد أحمد إمام وخطيب ومؤذن مسجد مصعب بن عمير في منطقة العوير في دبي، من بلوغ حلمه، بعدما أكمل دراسته وتخصص في الشريعة الإسلامية.

بدأ نشاطه الديني في المسجد، وواظب على رفع الأذان عندما كان في التاسعة من عمره، وكان يخرج من بيته قبل موعد الصلاة بنصف ساعة، للوصول مع وقت »نداء الله« الذي واظب على رفعه بحكم أن المؤذن لا يقوى على الصعود إلى قبة المئذنة في ذاك الوقت الذي كان يعتمد فيه »المنادي« على حنجرته وقوة صوته، بدل مكبرات الصوت..

ويوماً بعد يوم تعزز في داخله حب المسجد، وقراءة القرآن والأحاديث النبوية، وبدأ يفكر في دراسة العلوم الشرعية والفقهية، ويحفظ من كتاب الله، ليصبح إماماً وخطيباً ومؤذناً، وهو ما كان بعدما لاقى تشجيعاً من المحيطين فيه، فحاز شهادتي البكالوريوس في الشريعة والقانون، والماجستير في الشريعة من جامعة الأزهر.

ويخدم الإمام والخطيب أسد في مسجد مصعب بن عمير منذ عام 2002، ويؤكد على أهمية وقدسية المسجد كونه مكان العبادة والتعلم، وموطن التذكير والتفقيه والتوجيه، وهو المركز الأول للإشعاع الروحي والعلمي، مثلما يرفع من شأن الخطيب والإمام، لأنه يتولى مسؤولية حمل رسالة المسجد العظيمة التي هي رسالة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم، وهو مشعل نور، ومصباح هداية للمسلمين، وهو قدوة حسنة للمصلين، لأنه يتقدمهم في الصلاة، ويؤمهم، ويعظهم.

مسؤوليات المسجد

يقول أسد إن يوم الأئمة والخطباء والمؤذنين في رمضان، يختلف كثيراً عن بقية الشهور، وعن يوم وحياة بقية أفراد المجتمع، لأنه مزدحم بالواجبات والمسؤوليات الدينية التي تجعلهم دائمي التواجد في المسجد.

وحريصين على عدم الابتعاد عنه، أو حتى طلب إجازة سنوية، لأن إقبال المصلين على بيوت الله، والعبادات تزداد في هذا الشهر، وخصوصاً في صلاة التراويح، وتزداد معه الحاجة لمراجعة حفظهم لكتاب الله وسنته النبوية، والتحضير للدروس الفقهية، فضلاً عن ضرورة متابعة نظافة واحتياجات المسجد، ووجبات الإفطار التي يقدمها أهل الخير للصائمين.

يوضح الإمام والواعظ أسد أن يومه الرمضاني وأسرته، يبدأ في الساعة الثالثة فجراً، حيث يستيقظون لقيام الليل، وقراءة القرآن، وتجهيز السحور، قبل أن يتوجه هو لإضاءة المسجد وتبخيره، وإعداد التمور والمياه للمصلين، والاستعداد لرفع الأذان، ثم درس ديني يسبق صلاة الفجر التي يتبعها بقراءة جزء واحد مع أفراد أسرته قبل طلوع الشمس، فقراءة منفردة ومتواصلة حتى صلاة الضحى، حيث ينام إلى ما قبل أذان الظهر.

وبينما ينهمك أفراد الأسرة قبيل أذان العصر بإعداد وجبة الفطور، يبدأ أسد بالتحضير لدرس ما بعد صلاة ذاك الوقت، والأسئلة التي قد ترده من الحضور، ليدخل بعد ذلك في ترتيبات ومتابعة وجبات إفطار الصائمين، واستلامها من أهل الخير، لتوزيعها على الصائمين، ويبقى مشغولاً بذلك إلى حين موعد الإفطار، حيث يؤذن، ويفطر على حبات تمر، ويصلي المغرب في الحاضرين، ثم يتوجه لتناول الوجبة الرئيسية مع أسرته.

وما أن ينتهي من وجبة الإفطار حتى يتوجه إلى المسجد، ويستعد للأذان وصلاة التراويح، التي اعتاد على صلاتها 20 ركعة، بآيات قصيرة من كتاب الله، قبل أن يجد لنفسه متسعاً للخروج مع أفراد أسرته إلى أحد مراكز التسوق أو الترفيه، أو يقوم بزيارات عائلية، بحكم انه لن يجد وقتاً مناسباً للخروج، غير هذا الوقت من اليوم.

قصة واقعية

ويختم إمام مسجد مصعب بن عمير لقاءه بنا بقصة، حصلت معه في أحد أيام رمضان، حينما أعلن أحد الآسيويين غير المسلم، إسلامه في المسجد وقت إفطار الصائمين، بعدما لقيه من الاحترام والترحيب، والكرم، واستضافته على مائدة الإفطار طول الشهر الكريم، بالرغم من انه لم يكن يصوم، ويستذكر كيف بكى ذلك الآسيوي، من حسن معاملة الصائمين الذين كانوا يحرصون على إطعامه لأنه عامل ويجد صعوبة في توفير طعامه في رمضان.

نظرة خاطئة

 يرى ضيفنا أن الناس باتوا ينظرون إلى رمضان على أنه شهر الطعام والشراب والسهر والمتعة، وتحولت مصاريفه إلى أعباء ثقيلة على كاهل رب الأسرة الذي ينفق كثيراً على لوازم واحتياجات هذا الشهر، في الوقت الذي يفترض فيه أن يتفرغ المسلمون بهذه الأيام المباركات لعبادة الله، وترك الملذات الدنيوية التي تفقد الصائم لذة صيامه.

كما يجد بوناً كبيراً بين رمضان الأمس الذي كانت تشيع فيه أجواء الألفة والمحبة والتعاون والتواصل، والحرص على التقرب إلى الله بأتم وجه أكثر من هذه الأيام، مثلما كان الناس يستعدون نفسياً وإيمانياً لشهر القرآن قبل موعد قدومه بنحو شهرين، بعكس حالهم اليوم الذي يستعدون فيه لهذا الزائر بالطعام والشراب والبرامج التلفزيونية، و»قبل يومين فقط«، ويقول إن المائدة الرمضانية فقدت بريقها بعدما تغير شكل العلاقات الأسرية.

Email