فضيلة القرآن وهدايته

ت + ت - الحجم الطبيعي

القرآن في اللغة مأخوذ من القَرء وهو الجمع؛ لأنه يجمع السور ويضمّها كما قال الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي قراءته وهو في الاصطلاح «كلام الله تعالى القديم، المعجز بلفظه، المتَعبَّد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، الموجود بين دفتي المصحف من أول الفاتحة إلى آخر الناس»، وقد سمّاه الله تعالى قرآناً وكتاباً وذكراً ونوراً وهدى ورحمة وشفاءً وموعظة وحكمة... إلى غير ذلك بنحو 55 اسماً، وكما تقول العرب: إن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى، وليس هناك أشرف من هذا الكتاب المبين؛ لكونه كلام الله القديم، والكلام صفة قديمة له سبحانه وتعالى، فمن كان يقرؤه فإنه يكلم الله تعالى كفاحاً، وكفى بذلك فضلاً وشرفاً أن يكون المؤمن جليس ربه سبحانه يناجيه بكلامه، ويتقرب إليه بأحب الكلام إليه، فلا يرده خائباً، بل إن الملائكة الكرام تهوى المؤمن التالي لكتاب الله فتغشى مجلسه، وتشهد حسناته، وتكون شاهدة له عند ربه سبحانه، كما ثبت في قصة أُسيد بن حضير رضي الله عنه، قال: بينما كان في ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه فقرأ، ثم جالت أخرى فقرأ، ثم جالت أيضاً، قال أسيد: «فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي، فيها أمثال السرج، عرجت في الجو حتى ما أراها»، قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: يا رسول الله «بينا أنا البارحة من جوف الليل في مربدي، إذ جالت فرسي»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكة، كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس لا تستتر منهم». وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، أي مع الملائكة المكرمين، وهو ذكر تشريف ومباهاة بالقارئ، الذي يرقى في مقامات العلو بقدر ما كان يقرأ في الدنيا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ، وارقَ، ورتل كما كنت ترتل، فإن منزلتك في آخر آية تقرؤها».

وقد أنزله الله تعالى لبيان شرعه ومراده من خلقه، فيه الأمر والنهي لبيان الحلال من الحرام، وفيه المحكم ليعمل به والمتشابه لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، وفيه البشارة والنذارة وعداً ووعيداً، وفيه الوعظ ترغيباً وترهيباً، وفيه القصص والأمثال، وفيه بيان الغيب والشهادة، وفيه من الأسرار والخوافي التي لا يدرك كُنهها ولا يعقلها إلا العالمون.

هذا ما ينبغي أن يعيش فيه الصائم في هذا الشهر خاصة، وإن كان ينبغي له أن يكون كذلك في سائر أيامه حتى لا يكون هاجراً لكتاب ربه، ولا يستحوذ عليه الشيطان، كما حذره الله تعالى من ذلك بقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}، وشأن المسلم أن يظل متعهداً كتاب ربه حتى يكون قريباً منه سبحانه كما ندبه إلى ذلك نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، والنور المبين، والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول ألم حرف، ولكن ألف ولام وميم»، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن حاله بأن تلاوة القرآن هي إحدى مهامه في رسالته كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهليه وخاصته وحملة كتابه بمنّه وكرمه.

Email