زايد وفلسفة المكان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فلسفة خاصة عندما قام بعدة زيارات إلى خارج إمارة أبوظبي والإمارات، فهو لم يكن يسافر من أجل التنزّه وقضاء الوقت، وهو يعلم تمام العلم أنه وُلد ليكون قائداً وقدوة متفردة.

فمن قبل أن يتولى زمام قيادة إمارة أبوظبي ثم دولة الإمارات العربية المتحدة، كان يفكّر بالفكر القيادي الرائد، وينظر برؤية تخطيطية شاملة واضعاً نصب عينيه البعدين: الزماني والمكاني.

لذلك، فإنه سافر وشاهد ما شاهد من الأماكن والمواقع والمصانع والأسواق والشوارع، وعندما تولى الحكم في إمارة أبوظبي نقل تلك الصور والمشاهد إلى داخل بلاده ووطنه، فأعطاها روحاً تطويرية، وأضفى عليها نفَساً عربياً وإسلامياً، وطابعاً محلياً نابعاً من البيئة.

ولذلك، فإنه لم يتعلّق ما عاش، رحمه الله، إلا بتراب بلاده، وإذا تغزل لم يتغزل إلا بجمال المرأة الإماراتية.

ففي قصيدة «بينونة» يقول، رحمه الله:

يعل نوّ بانت امزونه

يسجي الظّفره أوْيرويها

لين يزخر عشب بينونه

والغزر تسقي سواقيها

والرّمل يعشب أويرعونه

والبدو تزهي مبانيها

ويستجي مِ الغيث في السّونه

شرق والوديان ييريها

والجبل تدّفّق اركونه

ويملي الجيعان ياريها

والغضي تتنقّل اظعونه

لي اهموم القلب يشفيها

إلى آخر القصيدة.

ترى الشاعر الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، يستهل القصيدة باسم الظفرة، وهي عاصمة المنطقة الغربية أو المنطقة التي نزل بها بنو ياس أول ما سكنوا هذه البلاد.

كما أنه صرّح باسم «بينونة» فجعلها عنواناً لقصيدته، و«بينونة» هي المنطقة الوسطى من الظفرة التي هي بوابة أبوظبي وحصنها.

ويذكر د.غسان الحسن في تحليله للقصيدة أن «بينونة» حاضنة «ليوا» ومحاضرها التي تزيد على ال50، وهي ما زالت موطن البدو والبداوة بإمارة أبوظبي.

ولو تمعنا في أبيات الشيخ زايد في تلك القصيدة، لوجدنا أنه يسترجع فيها طفولته وشبابه في هذه المنطقة من بلاده التي يتغنى بحبها ويعتز بأهلها، ويفتخر بماضيها وبحاضرها الذي شاده وطوره بنفسه.

والشيخ زايد يتباهى بأسماء الأماكن، كما يتباهى بأسماء المواسم والأنواء والنباتات في الإمارات العربية المتحدة.

نعم... ومن شدة تعلُّقه بالأرض والوطن والبادية والشجر والنبات فإن كثيراً من أسماء الأماكن من اختياره، وكان، رحمه الله، دقيق الملاحظة ومرهف الحسّ، كما لاحظنا كيف غيّر اسم العوهة إلى الفوعة.

وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قصيدته «عام زايد» إلى هذه الخصوصية فقال:

وحتَّىَ إذا سَمَّىَ الأسامي يبَدِّعْ

يختارْ الأسما لي يفَرِّحْ نِداها

لِهْ طاقَةْ الإيجابْ منها يِوَزِّعْ

طاقَهْ حِماسيِّهْ لذيذٍ جنَاها

زايدْ ما هوُ شخصٍ لفانا وودَّعْ

زايدْ حكايِهْ يفتخِرْ منْ رواها

نعم... لا كتاب أبلغ من حب زايد لوطنه، ولا كاتب عبّر بأسلوب أبلغ من أسلوب الشيخ محمد بن راشد الهائم في حبّ زايد.

Email