رمضان شهر القرآن

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختص الله تعالى هذا الشهر الكريم لأن يكون شهراً لتنزل أعظم كتبه وأشرفها، وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى بلسان عربي مبين، ولم يجعل له عوجاً، كما قال جلّ ذكره: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}.

إنه كلام الله القديم المنزه عن الحدوث، وهو صفة لله تعالى القديمة بقدمه سبحانه، وهو الكتاب العزيز الذي جعله الله مهيمناً على الكتب قبله وناسخاً لها، والكتاب الذي جمع الله تعالى فيه علوم الأولين والآخِرين، الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وفيه خبرها وعلمها، عَلمها من علِم، وجهلها من جهل، الكتاب الذي هو المعجزة الباقية لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، المتجددة بتجدد الأيام والليالي، الكتاب الذي تكفل الله بحفظه فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، الكتاب الذي فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل وليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلَق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد} من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، كما قال الإمام علي، كرم الله وجهه ورضي عنه.

هذا الكتاب العظيم تنزل في شهر رمضان الكريم تنزلاً جُمَلياً إلى سماء الدنيا، وتنزل أولياً على قلب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، كما أخبر الله تعالى بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، فقد أخبرنا سبحانه أنه اختار أشرف الشهور ليكون فيه حدث تنزل القرآن الكريم، وفي ذكر زمن تنزله إشارة إلى أن الواجب الاعتناء بهذا الزمن ليذكر فيه الكتاب المنزل أشد الذكر وأكثره، وكما يقال: الشيء بالشيء يذكر، ولم يكتفِ المولى سبحانه بذكر وقت تنزله حتى نوّه بذلكم المنزل العظيم بأن تنزله كان لهداية الناس لما يحتويه من البينات والدلائل على الحق سبحانه، وعلى شرعه الذي شرعه لعباده عن طريق رسله عليهم الصلاة السلام، وزيادة في بيان وقت تنزله، فقد أخبر سبحانه بوقت تنزله تحديداً، وهو ليلة القدر، أي ليلة العظمة والمكانة السامقة، فقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقال جل وعز: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ليعلم الناس أن للقرآن شأناً عظيماً بينهم فيقدروه حق قدره، وهو ما بيّنه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بفعله حيث كان يحتفي بوقت تنزل القرآن في هذا الشهر الكريم أيّما احتفاء، فيتدارسه مع سفير الوحي جبريل، عليه السلام، الذي كان يتنزل في هذا الشهر تنزلاً خاصاً ليقرأ القرآن على النبي، عليه الصلاة والسلام، كما أنزله الله ويسمعه منه، عليه الصلاة والسلام، كما بلغه به، فيثبت القرآن في صدر النبي وعقله وقلبه، فلا ينسى شيئاً منه كما تكفل الله تعالى له بذلك بقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} وقد روى ابن عباس، رضي الله عنهما، قال:«كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود بالخير من الريح المرسلة»، وفي ذلك تعليم للأمة أن يكون لها عناية كبيرة بالقرآن دائماً، وفي هذا الشهر خاصة، لمناسبة ذكرى تنزله، ولعظيم أجر تلاوته في كل حين، ففي كل حرف منه عشر حسنات، وتتضاعف في رمضان أضعافاً كثيرة، فإن النافلة فيه كالفريضة في غيره، والفريضة كسبعين فريضة فيما سواه.

نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وأن يجعله شاهداً لنا، وقائداً لنا إلى جنات ربنا، بمنّه وكرمه.

Ⅶ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email