من أفطر بغير عذر

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الأعذار التي شرعها الله تعالى لعباده قد يحتاجها المكلف أحياناً، وعليه أن يشكر الله تعالى على نعمة الرحمة التي وسعته، فإنه سبحانه وتعالى قد أحكم شريعته وخفف عن عباده، فإذا تمادى العبد وتعدى حدود الله تعالى التي حدها لعباده من تجاوز المباح إلى المحظور، أو التقصير في الواجب فإنه يكون قد ظلم نفسه كما قال الله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وحدود الله هي أوامره ونواهيه ومن أجلِّها أوامر الطاعات ونواهي تركها، وصيام شهر رمضان من أجلّ العبادات التي كانت عناية الشارع به كبيراً، فإن الله تعالى لما أوجبه نظر لحال من يعتريه الضعف من العباد فأرخص له الفطر، ومن لم يحتج لذلك أمره أن يصوم {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والأمر للوجوب، فإذا تجاوز العبد هذا الأمر ولم يعره سمعه فإنه يكون قد أهلك نفسه في إثم المخالفة كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكتُ يا رسول الله، قال: «وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: «هل تجد ما تعتق رقبة؟»قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»قال: لا، قال: «فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟» قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق – أي كيس - فيه تمر، فقال: «تصدق بهذا» قال: أعلى أفقر منا؟! فما بين لابتيها – أي المدينة - أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك».

فسمى الأعرابي فعله بانتهاك حرمة الشهر هلَكة، وأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، ولذلك رتب عليه كفارة عظمى، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ككفارة قتل النفس الخطأ أو كفارة الظهار، مع قضاء ذلك اليوم الذي أفسده، وذلك دليل على عظيم الجرم، وقد رأى مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى أن مثل هذه الكفارة غير قاصرة على من جامع امرأته في نهار رمضان آثماً به بسبب الصوم، بل هي كذلك على كل من تعمد الفطر من غير سبب؛ لعموم انتهاك حرمة الشهر، فيستوي في ذلك كل مفطر عمدا، وهو ما أفاده حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» أي لا يدرك بصيام السنة كاملة أجر صوم يوم من رمضان، فعمَّ كل فطر وهو الذي يقتضيه القياس؛ فإن المفطر المتعمد منتهك لحرمة الشهر ومستهتر بحرمات الله تعالى فكان كالمجامع فاقتضى أن توجب عليه الكفارة العظمى، والمرأة كذلك إن كانت موافقة غير مكرهة، فإن أكرهت كانت الكفارة على الزوج عنه وعنها عند بعض العلماء، أو عنه فقط مع تحمل وزرها أيضا كوزره، وبعض أهل العلم كالشافعية لا يرى بطلان صومها حالة الإكراه بشروطه – وهي عدم القدرة على الامتناع والخوف من أن يلحقها أذى لا تطيقه – ويدخل في معنى الفطر المتعمد مَن تمادى بالأكل أو الشرب أو الجماع بعد دخول وقت الفجر، لأن ذلك يكون في وضح النهار، وقد أمر الله تعالى بالإمساك حينئذ.

ولا يكون مفطرا من أكل أو شرب ناسيا أو مكرها عليه، لرفع القلم عن الناسي والمكره، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أكل ناسيا، وهو صائم، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» ويرى الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه لا إثم عليه لنسيانه أو خطئه أو إكراهه لكن يجب عليه القضاء لعدم وجود حقيقة الصوم في حقه.

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال ويعيننا عليه ويتجاوز عن سيئاتنا بمنه وكرمه.

Email