متى فرض الصيام؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرض الله علينا شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة حيث توالت التشريعات الربانية بعد تأسيس الدولة الإسلامية وإرساء قواعدها الأساسية من وجود عاصمة وقوة ونظام، فشُرع الصيام وشُرعت زكاة الفطر ثم زكاة المال وشُرعت صلاة العيد وشُرع الجهاد وأحلت الغنائم وتحولت القبلة وتزوج سيدنا علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين، وفيها وقعة بدر الكبرى التي سماها الله تعالى يوم الفرقان؛ لما فرق فيها من الحق والباطل وأعز فيها الإسلام وأهله وأذل فيها الشرك وأهله..

وقد كان فرضه شهرا كاملا بعد أن كان فرض الصيام لأيام محددة كيوم العاشر من محرم كما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه» .

وكان صيامه في المدينة شكرا لله تعالى على نجاة أخيه موسى بن عمران - كليم الله - من فرعون وقومه، وهلاك عدو الله فرعون وقومه، فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه: قال: فأنا أحق بموسى منكم«فصامه، وأمر بصيامه» فلما فرض رمضان نسخ وجوب صيام هذا اليوم، وبقي سنة لها أجر عظيم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهرا إلا هذا الشهر» يعني رمضان، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة صيام عاشوراء مع سنيته فقال: «يكفر السنة الماضية».

وبفريضة الصيام اكتملت بنية الإسلام في تكوين المسلم حيث قامت قواعده الأربع من إيمان وصلاة وزكاة وصيام، ولم يبق إلا الحج الذي لم يشرع حتى تطهرت مكة من الوثنية وكان ذلك بعد فتح مكة في السنة الثامنة، وليس في ذلك ضير على بنية المسلم لأن الحج لا يجب إلا على المستطيع من الناس، وقليل ما هم بجنب غير المستطيع.

وبهذه الفريضة تكتمل التربية الإيمانية التي تبنيها أسس الإيمان، ولعل الصيام أكثرها أثرا في نفس المسلم لأن الصيام يغرس التقوى في قلب المؤمن كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} حيث يهذب النفس بمراقبة الله تعالى في السر والعلن، ويشغل الجوارح بطاعة الله تعالى من صيام وقيام وتلاوة قرآن وبر وإحسان وإطعام والطعام وإلانة الكلام وصلة الأرحام ونحو ذلك مما يقرب العبد للملك الديان، على مدى شهر كامل وهو على هذا المنوال حتى يكون قلبه قد زكى وصفا لنظر الحق سبحانه وتعالى، فيقذف فيه من أنواره الربانية ما تتحقق بها السعادة الإيمانية والرضا عن المولى في السراء والضراء، وبذلك يترقى العبد إلى مرتبة الإحسان التي هي أعلى درجة من الإسلام والإيمان، حيث تحقق محبة الله تعالى للعبد كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وهو الحال الذي يكون عليه الصائم في نهاره وليله.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أحبابه الذين رضي عنهم وارتضاهم بمنه وكرمه.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

 

 

Email