اليأس حيلةُ العاجز

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشيخ زايد رحمه الله: «هذه هي طبيعة رجل الصحراء، وأنا رجل من الصحراء، وأحب الصحراء والذين صبروا أجيالاً فوق هذه الرمال حتى نبت فيها الخير، هؤلاء يعلموننا أن نصبر طويلاً حتى تقوم الدولة التي نطمح إليها».

هكذا كان زايد صادقاً بمنتهى الصدق مع نفسه. منسجماً كل الانسجام مع شخصيته حتى تحقق له ما أراد وهو إقامة دولة عزيزة لها مكانتها اللائقة تحت الشمس بفضل حاكم رشيد وشعب يستحق أن يكون اليوم في مكان الصدارة في العالم، فقد علمنا الصبر وعدم اليأس والتذمر حتى نحصل على ما نريد.

فمهما اشتدت بنا الآلام، ومهما تغيّرت بنا الظروف، ومهما كانت النتائج سيئة، فلا يوجد شيء يُساعدنا على الاستمرار سوى الصبر، فهذا الشعور الذي ينبع من داخلنا الذي يزيد من إصرارنا وقدرة التحمل لدينا لنكمل المسير.

إنّ المسلم الحق لا يسْتولي عليه اليأسُ والأحزان، ولا تحوم حوله المذلَّةُ والهوان؛ إن تفاؤل المسلم ليس مكابرة،ً ولا تسليما للواقع، ولكنه عقيدة راسخة يؤمن بها، ويعمل في إطارها، سندها كتاب الله -عز وجل-: (وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّآلُّون)، واليأس حيلةُ العاجز الكسول، البطَّالِ الخمول.

إن البلاء يُحْتَمَلُ بعظيم الرجاء، والفرجُ طريقُهُ الثقة بالله العلي الأعلى؛ المؤمن الحق لا تزلزله المِحن والشدائد، ولا تهدّه الإحن والمكائد، بل يزيده ذلك عطاءً وبذلاً, وتضحية وصبراً؛ (وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).

هؤلاء هم المؤمنون حقاً، لا ضعف ولا استكانة، ولا تشاؤم ولا مذلة؛ بل صبر ورجاء، وبذل وعطاء ودعاء.

إن الفرج يكون عند تفاقمِ الأزمة، واشتدادِ الغمَّة، وإن أشدَّ حَلَكِ الليل سوادا ما كان قبل طلوع الفجر.

إن الإنسان معرضٌ في حياته لأنواع من الفشل في بعض التجارب، وحريٌ أن يوقظ في نفسه روح الأمل، فيراجع نفسه باحثًا عن أسباب الفشل ليتجنبها في المستقبل، ويرجو من ربه تحقيق المقصود، ويجعل شعاره: لا يأس مع الحياة.

أُعلِّلُ النفس بالآمال أرقبها.......ما أضيق العيش لولا فسحةُ الأمل

إن هذا المسلك خيرٌ لصاحبه من إلقاء اللوم على الآخرين، مما يترتب عليه سوء الطبع والاتكالية، والانهزامية، ثم اليأس والانعزال.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله».

وكان الصالحون يتقربون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم وبعدهم عن اليأس، وهكذا تعلمنا من زايد رحمه الله، حتى بنى لنا دولة نتفيأ في ظلالها، ونأكل من خيراتها، مؤمنين بعدم اليأس مع الحياة، فقد انتقلنا من بعد الفرقة إلى وحدة واجتماع ومن بعد الجهل علماً ونوراً، ومن بعد الضعف قوة وهيبة.

* واعظ ديني في وزارة الداخلية

Email