سنن الصوم وآدابه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لما كان الصوم أحب العبادات إلى الله تعالى؛ فإن على العبد أن يأتي به كاملاً يزيده حباً ومنزلة عند ربه سبحانه وتعالى، وذلك بالحرص على سننه وآدابه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن ذلك تهيئة النفس لاستقباله بمحبة ورغبة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على استقباله بنية صالحة ورغبة فائقة حتى يكتب لهم أجره قبل أن يدخل فكان يقول: «أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكتب أجره ونوافله قبل أن يُدخله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة من النفقة للعبادة، ويعد فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين واتباع عوراتهم، فغنم يغنمه المؤمن».

وفي رواية: «أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» وفي رواية: «أتاكم رمضان شهر بركة، فيه خير يغشاكم الله فينزل الرحمة ويحط فيها الخطايا، ويستجيب فيها الدعوة، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهيكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي كل الشقي من حرم فيه رحمة الله».

وندب النبي صلى الله عليه وسلم السحور بقوله: «تسحروا فإن في السحور بركة»، كما يندب تأخيره حتى يقرب الفجر ما لم يحصل له شك من طلوع الفجر كما ندب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله: «لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور، وعجلوا الفطر» ويندب للصائم أن يعجل الفطر عند تحقق الغروب ما لم يقع في شك للحديث السابق، ولما يروى عنه صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يحبها الله: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة».

وليكن الفطر على رطب أو تمر، فإن لم يجد الصائم ذلك فعلى ماء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رُطَبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء».

ويسن الدعاء عند الفطر بالمأثور كما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يا علي، إذا كنت صائماً في شهر رمضان فقل بعد إفطارك: اللهم لك صمت، وعليك توكلت، وعلى رزقك أفطرت» فإذا فرغ من فطره قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».

وليصن الصائم سمعه وبصره ولسانه عن كل ما حرمه الله كما قال جابر رضي الله عنه: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» كما ندب صلى الله وسلم عليه لذلك بقوله «واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار».

ومن سننه أيضاً التي يغفل عنها كثير من الناس كثرة الدعاء بمقاصد الدنيا والآخرة؛ فإن هذا الشهر هو شهر الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بصدق وخلوص نية، فإن الله تعالى جعل للدعاء في هذا الشهر مزية على غيره؛ بأن ذكر في سياق حديثه عن الصيام وأحكامه إيذانه لعباده أنه يستجيب دعاءهم إذا دعوه فقال سبحانه:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} فرتب على دعائهم أمرين: الأول استجابة الدعاء، الثاني ثبوت الرشاد للداعين، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، وإمام عدل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السموات، فيقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد» ولذلك كان عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا وكان يقول: «اللهم إني أسألك رحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي».

Email