الإيجاب في حياة الشيخ زايد 1 ــ 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المهم جداً أن يكون القائد أو المسؤول أو الإنسان عموماً متفائلاً بالحياة، وألا ينظر إلى الحياة نظرة سوداوية، وفي الحديث النبوي الشريف: «تفاءلوا بالخير تجدوه».

بل حتى المريض إذا تفاءل بالطبيب الذي يعالجه واستبشر به، ونظر إليه بعين الرضا، فإنه سوف يستفيد من علاجه ومن دوائه بإذن الله؛ لأن الطبيب ما هو إلا سبب من الأسباب والأخذ بالأسباب من الإيجاب.

نعم.. وهكذا كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فهو في بداية حياته لم يكن يختلف عن أي فرد من أفراد شعبه؛ وربما كان التاجر في زمانه يمتلك وفرة من المال أكثر منه.

لكنه ملك الإرادة والعزيمة الصادقة، فلم يتوانَ ولم يقعد ليظن بأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، بل غاص في أعماق الناس، وعلم ماذا يتوقع الناس منه.

كان يخطو تلك الخطوات الجريئة والإيمان بالله يملأ قلبه، وكان ينظر إلى الحياة بأنها تتكوّن من حلو ومرّ، فلا الحلو يدوم دائماً ولا المر يدوم دائماً.

كان يعلم أن كل شيء يجري في هذا الكون بإرادة الله، لكن الإنسان نفسه في حياته يلعب سلباً أو إيجاباً، فالمهم أن يكون الإنسان قادراً على التحدي ومقاومة الصعاب، والمنافسة الشريفة في أقوى صورها، وألا يستسلم للعجز والضعف.

يقول المؤرخ البريطاني المشهور «توينبي»: إن التحدي هو الذي يخلق رجل الأحداث، والقادة لا يزدهرون في أسهل الظروف، وإنما على العكس يزدهرون في الظروف التي تتحدّاهم أشدّ التحدي.

وكلما ازداد التحدي صاروا أكثر عظمة، والانتصار على الصعاب والعقبات يؤهّل رجال الأحداث تبوّؤ الزعامة، ذلك أن الشعوب تعجب بالأعمال قبل الرجال، وإذا ما أُعجبت بالأعمال فإنها سرعان ما تمنح الرجال الثقة وتعطيهم زمام القيادة.

أجل.. كان الشيخ زايد رجل التحدّي، لذلك استطاع أن يصنع التاريخ منذ مولده، فهو كان مؤهلاً بالفطرة، لكنه، كما يقول الكاتب حمدي تمام، روى هذه الفطرة، وسقاها بقدراته وإمكاناته، وملكاته النفسية والذهنية، وسخّر نفسه منذ البداية ليكون خصباً قادراً على العطاء الذي يثري الحياة ويطوّرها، جواداً يمنح من ذاته.

فحياته ليست ملكاً له وحده، وإنما هي ملك لمن يحيطون به، وملك لهمومهم وآلامهم.. وملك لمسراتهم وأحلامهم وتطلُّعاتهم.

إذاً عاش الشيخ زايد على التفاؤل، فوقف مرة ينظر إلى الماضي المملوء بالمكابدات، ومرة أخرى ينظر إلى الحاضر المبشّر بالخير، وهو القائل:

«إن الآباء هم الرعيل الأول الذين لولا جَلَدُهم على خطوب الزمان وقساوة العيش، لما كُتب لجيلنا الوجود على هذه الأرض التي ننعم اليوم بخيراتها، وإن الحاضر الذي نعيشه الآن على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على معاناة الماضي وقسوة ظروفه».

نعم.. نعم ولولا التفاؤل لما استطاع زايد أن يؤسس دولة منيعة موحدة وقوية، ويتخطى كل العوائق، ويحصل على اعتراف بهذه الدولة الناشئة لتوها من الغرب والشرق، وضحى بالكثير وبذل أكبر الجهود لمصلحة الدولة الناشئة بغية الحصول على اعتراف الدول بها. ألا والمجد لا ينال إلا بالتعب، والأماني لا تتحقق إلا بالمغالبة.

هذا وللحديث بقية..

Email