الصيام لغة واصطلاحاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

يخاطب الله تعالى عباده بوصف الإيمان ليكون الإيمان حافزا لهم لتلقي الأوامر الإلهية والتشريعات الربانية بمقتضى تصديقهم بربهم، وأنه الإله المعبود الذي يطاع أمره ويجتنب نهيه، فذلك هو مقتضى الإيمان به سبحانه، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك فهو خير يأمر به أو شر ينهى عنه.

وقد كان أمره في هذه الآية الكريمة بشرع عظيم كتبه على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام لجميع عباده، وهو الصيام الذي هو أحب العبادات إليه؛ لما فيه من معاني الإخلاص والتزكية والإيثار والانقطاع إلى الله تعالى، فهو يعني الإمساك عما حرم الله تعالى من طعام وشراب ورفث من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، بنيَّة مُبيَّتة من الليل، كما يعني الإمساك عما حرمه الله تعالى وكرهه من كل قول منكر أو فعل له، مع الناس أو مع النفس أو مع المجتمع أو البيئة، فهو تبتل ظاهر وباطن لله رب العالمين، واستشعار لمراقبته سبحانه لتصرف العبد حتى يكون اللهُ تعالى أمامَ سمعه وبصره، فلا يقدم ولا يؤخر إلا ما يرضيه سبحانه، وهذا هو الصوم الحقيقي الذي يتميز به المخلصون عن غيرهم، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وهو الذي عبر عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بقوله: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء»، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يحث أمته على هذا الصوم الحقيقي فيقول: «الصيام جُنَّة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين».

أي أن الصوم يمنعني أن أجاريك في الشتيمة أو السباب أو المضاربة أو نحو ذلك من أنواع الخصومة، لكوني ممسكاً عما يغضب الله تعالى أو يتنافى مع أخلاق الإيمان وصفات أهله، حتى أنال أجر الصائمين العظيم الذي يتولى الله جزاءه بنفسه كما في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فيقول: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به» فصيام اختصه الله تعالى لنفسه من سائر العبادات التي لا تكون إلا له، لجدير أن يحافظ عليه أشد المحافظة، ليتقبله الله قبولاً حسناً، ويثيب عليه أجراً عظيماً، فإنه ليس من العقل أو الحكمة فضلاً عن الدين أن تهدي الملك هدية معيبة، فإن ذلك يعتبر استخفافاً بالمهدى له، وذلك ما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر».

وقد كان السلف يستشعرون هذه المعاني في الصيام كما قال بعضهم:

إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ وفي بصري غض وفي منطقي صَمتُ.

فحظي إذا من صومي الجوع والظماء وإن قلت إن صائم يوما فما صُمتُ.

نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا صيامنا وجوارحنا وحواسنا وأن يجعلنا في محل مراقبته الدائمة وعنايته الشاملة الكاملة بمنه وكرمه سبحانه وتعالى.

Ⅶ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email