شهود شهر رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ميز الله تعالى هذه الأمة بمزايا وخصائص كثيرة من أجلِّها أن جعل الصيام الذي افترضه عليها في أحب الشهور إليه وأعظمها منزلة عنده، وهو شهر رمضان الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وجعل فيه من الفضل العظيم ما لا يوجد في غيره كما قال الله جل ذكره: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والشهر مشتق من الإشهار؛ لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده، ومنه يقال: شهرتُ السيف إذا سللتُه.

ورمضان مأخوذ من رمَضَ الصائمُ يرمض إذا حرَّ جوفه من شدة العطش، والرمضاء (ممدودة) هي شدة الحر، ومنه الحديث: (صلاة الأوابين ـ أي الضحى ـ إذا رمضت الفصال) ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها.

وشهود الشهر معناه العلم بدخوله، إما بطريق الإخبار، أو بالرؤية الذاتية، فإذا ثبت دخوله لم يسمع المسلم تركه؛ لأنه الركن الرابع من أركان الإسلام، ولأنه أحب العبادات إلى الله تعالى، حيث أضاف الصوم إلى نفسه دون سائر العبادات التي هي له أيضا كما قال صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي».

قال أهل العلم: إن سر إضافته الصوم لنفسه سبحانه؛ حتى يكون جزاء الصائم من الحق سبحانه مباشرة من غير واسطة ملائكته، فيكون عطاء من جواد كريم بما لا يدخل تحت حساب، ولذلك قال: «وأنا أجزي به» وليكون ثوابه خاصاً به فلا يوفى منه خصومه، إن كانوا أرادوا الجزاء من حسناته، ولذلك قال الحافظ ابن عيينة رحمه الله: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.

وهذه فضيلة الصوم عامة، فإذا كان في شهر رمضان الذي هو فريضة فإنه أعظم أجراً، وقد خص الله تعالى به هذه الأمة؛ لعظيم منزلتها عند ربها، فاختار لها سيد الشهور الذي تُغل فيه الشياطين ومردة الجن كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أولُ ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة».

وروى جابر بن عبد الله وأبو هريرة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُعطيت أمتي في رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي: أما واحدة: فإذا كان أول ليلة نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله عز وجل إليه لم يعذبه أبداً، وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك، وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، والرابعة: فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول: تزيني واستعدي لعبادي، والخامسة: فإذا كان آخر ليلة غفر لهم».

وقد كان عليه الصلاة والسلام يبين عظيم فضل هذا الشهر ليحث أمته على اغتنامه حتى لا يفوتهم هذا الفضل العظيم فيقول: «أظلَّكم شهركم هذا - أي أقبل عليكم ودنا منكم - بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، - أي بالذي يحلف به وهو الله جل وعز - ما مرَّ بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر َّ بالمنافقين شهر شر لهم منه، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يُدخله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يُعِدُّ فيه القوة من النفقة للعبادة، ويُعِدُّ فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين واتباع عوراتهم، فغُنمٌ يغنمه المؤمن».

وفي هذا بشارة للمؤمن أن يعد نفسه لاستقباله بنية صالحة وهمة عالية حتى يكتب الله أجره، وإن فاته صومه بمرض أو موت، لأنه كان قد نوى أن يصومه فيعامله الله بنيته، لحديث: «وإنما لكل امرئ ما نوى».

نسأل الله تعالى أن يحسن نياتنا ويحقق أمنياتنا ويعيننا على صيام هذا الشهر وقيامه بلطف وعافية.

Ⅶكبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email