مرحباً بشهر التنافس في الطاعات والخيرات

احمد الحداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الترحيب بشهر رمضان يعني أن المرء يستقبله بصدر رحب ورغبة كبيرة، تطلعاً لما فيه من فيوضات إلهية وبركات رحمانية، وفيه من التهيئة النفسية لاستقباله برغبة وشوق ما يدل على حب المسلم لفعل الخير والتنافس فيه، ومن أجل ذلك شرعت التهنئة به ككل ما يُسر به المسلم من مولود أو عيد أو زواج.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحب به ببيان فضائله وعظيم فضل الله فيه كما روى ابن خزيمة من حديث سعيد بن المسيب، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه – وكان يلقب بسلمان الخير- قال:

خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن.

من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء» قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: «يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن.

وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.

من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار.

واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار.

ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».

وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي يحلف به، لقد أظلكم شهر ما أظل المسلمين شهر قط خير لهم منه، ولا أتى على المنافقين شهر قط أضر عليهم منه، إن الله عز وجل ليكتب نوافله، وأجره قبل أن يدخله، إن المؤمن ليعد فيه القوة للعبادة، وإن المنافق ليعد فيه الغفلات، فهو غنم للمؤمن، ووزر على المنافق»

ومعنى أظلكم أي قرب مجيئه إليكم، وأقبل عليكم ودنا منكم، كأنه ألقى عليكم ظله.

ففي هذه الأحاديث بشارة بقدوم هذا الشهر الكريم وترحيب به، لتتهيأ نفس المسلم لاستقباله بحب ورغبة، وكم جعل الله تعالى للنية الصالحة من أجر كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال:

«إن بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم»، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة ؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر» وهو ما يشير إليه قوله سبحانه:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء:].

فلهذا ينبغي للمسلم أن يهيئ نفسه لاستقبال الشهر الكريم بالنية الصالحة لصيامه وقيامه والمسارعة فيه للخير والبرٍ، حتى يعان على ذلك أو يؤجر لا أن نجعل التهيئة فيه تهيئة طعام وشراب وملذات، فهذه الأمور مجالها السنة كلها، فلا نجعل موسم الخيرات والطاعات موسماً للمباحات وسائر اللذات.

فإن الله تعالى إنما فرض علينا الصيام لنغير نمط حياتنا حتى نكون متشبهين بالملائكة الكرام في جزء من أوقاتنا وهو النهار، وفي ذلك ارتقاء بالروح وسمو بها إلى معالي الأمور ومكارمها، كما أن هذه الحاجات لا تفوت في سائر الأيام والليالي، فمهما أرادها الإنسان وجدها وافرة، فنعم الله علينا كثيرة، ومثل هذا التكدس في الأسواق والجمعيات يوحي بأن الناس قادمون على مجاعة فهم يخزنون المؤن استعداداً لها، عياذاً بالله من ذلك.

رمضان شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن.. هذه المعاني الجليلة هي الثمرات المرجوة بأن يخرج بها المسلم من مدرسة الشهر الفضيل، بعد أن تهيأ لاستقباله كما تتهيأ النفس لاستقبال أعز غائب يتنظر.

ومنذ دخول هذه المدرسة الكريمة على الصائم أن يروض نفسه للصيام والقيام وصالح الأعمال؛ فيكتب الأجر بهذه النية الصالحة، فكذلك فيه تهيئة للنفس لتطهيرها من رذائل المعاصي، بالعزم على البعد عنها وسلوك الاستقامة فيه حتى لا يكون فيه المرء من الغافلين، وهذه النية الصالحة تجعل من يتلبس بها كأنه مؤدياً لعبادة الصيام إن أدركه الموت أو العذر، فإن نية المؤمن خير من عمله.

* مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

Email