لم يمنعه فقدان البصر من إنشاء أول نــادٍ لأصحاب الهمم في جامعة الإمارات

علي الظاهــري يبـــدد سحــب اليأس بإشراقات الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

كانت تستهويه لعبة «الشرطي والحرامي» وهو طفل صغير، وكان أصدقاؤه في الفريج يعلمون أنه يعاني «العشى الليلي» التي تجعل المصاب لا يتمكن من رؤية الأشياء أثناء الليل، وخصوصاً عند الانتقال بسرعة من مكان مضيء إلى آخر مظلم، ولكنه على الرغم من ذلك كان يصرّ على تقمص شخصية «الشرطي»، والأولاد يختارون اللعب وقت المغرب حتى لا يتمكن من رؤيتهم، ولكنه كان يخيب ظنونهم ويمسك بهم جميعاً؛ إنه علي الظاهري الطالب بجامعة الإمارات، الذي اختار أن يكون نوراً لغيره على الرغم من فقدانه نعمة البصر، فقد اكتشف أنه يعاني مرض «التهاب الشبكية الصبغي»، فعلى مدار سنوات بدأت حاسة النظر لديه تضعف تدريجياً حتى وصل إلى مرحلة لم يعد يرى فيها شيئاً.

الأخت الملهمة

الظاهري كان شاباً مستقلاً بذاته، يقرأ الكتب، يتسوق، وفجأة ومع فقدان بصره، تغير كل شيء، حاول إيجاد حلول بدائل، ولكنه كان يصطدم بالفشل الذي أعطاه جرعة كبيرة من الإحباط، جعلته ينعزل عن المحيط حوله، ويفضل الجلوس وحيداً، توقفت دراسته فلم يعد يستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي، وبعد سنوات من الجمود بدأ يظهر أمامه الشرطي الصغير الذي كان يمسك بالأولاد على الرغم من ضعف نظره، لمس نجاحات أخته الكبرى التي كانت تعاني المرض نفسه، وتفوقت في الثانوية العامة وحصلت على مجموع 97%، فلم يمنعها ذلك المرض من التفوق، فقد تجاوزت كل الصعوبات وحققت ما كانت تصبو إليه، بدأ يستمع أيضاً إلى الفيديوهات التي تتحدث عن الإيجابية والأمل، وقتها قرر أن يستكمل حياته من جديد، وألا يقف ساكناً محبطاً فالأمل دائماً موجود إذا بحثنا عنه.

الدراسة السماعية

في عام 2010 قرر استكمال الثانوية العامة وكانت دراسته سماعية، واعتمد على الدراسة اليومية، لتقوى ذاكرته مع الوقت، وحصل على مجموع 91.3%، ليلتحق بجامعة الإمارات، وقتها حضر أول فاعلية عن يوم العلم وكان الوحيد من أصحاب الهمم الموجود في ذلك الحدث، ولاحظ أنه لا يقابل أصحاب الهمم كثيراً بين أروقة الجامعة، لذلك قرر إنشاء نادٍ لهم «نادي القدرات الخاصة» يتقابلون فيه لتبادل الخبرات والتجارب، ليفتح المجال للطلبة الأسوياء أيضاً للانضمام إليه، فقد حاول الظاهري من خلال ذلك النادي تنظيم فعاليات والمشاركة في ندوات ومحاضرات، وقد لاحظ تغيراً جذرياً عند البعض من أصحاب الهمم، فهناك من كان يرفض الاختلاط بباقي الطلاب ويفضل العزلة، وهناك من كسر حاجز الخوف والتردد لديه، فكان بمثابة شعلة أمل لغيره.

يرى الظاهري أن دولة الإمارات أولت أصحاب الهمم رعاية خاصة في كافة المجالات، وفرت لهم كل الطرق والسبل كي يمارسوا حياتهم الطبيعية بين أقرانهم، وحفزتهم على التفوق.

وأثناء زيارتنا للجامعة لاحظنا مدى الاحترام والحب الذي يكنه الطلبة والعاملون في الجامعة للظاهري، فالجميع يعرفه ويأتي ليلقي عليه التحية، فهو بالنسبة للكثيرين من الطلبة قدوة يعتزون بها، ولكن الغريب في الأمر، هو أنك حينما تقترب من الظاهري يحدثك وكأنه يراك، ويتعامل معك على ذلك الأساس، الأمر الذي جعلنا نسأله عن ذلك ليقول: الجميع يسألني هل أنت بالفعل لا ترانا وأجيب ببساطة أنا أطالعك في وجهك وتشعر أنني أراك بعيوني، ولكن الحقيقة أنني أراك بقلبي، وإدراكي للأشياء من حولي. قدّم الظاهري خلال تواجدنا في الجامعة جلسة مع الطلاب تتمحور حول الإيجابية وكيفية تحقيق هدفك، مهما بلغت الصعوبات من حولك.

قدوة للجميع

تقول الطالبة ناعمة الكعبي، رئيس نادي الابتكار في الجامعة: علي الظاهري قدوة لنا جميعاً، وليس فقط أصحاب الهمم، فهو يساندنا ويدعمنا، فهو بمثابة المطر يروينا حينما نشعر بالإحباط، فالبعض يقول فاقد الشيء لا يعطيه ولكن مع الظاهري الأمر مختلف، فقد أعطانا الأمل وشجعنا على الوصول إلى أحلامنا، فالمحاضرات التي يلقيها للطلاب تجعلنا ننظر للحياة بصورة أفضل، فهو يمتلك الكثير من الأفكار الخلاقة التي تساعدنا على الابتكار والتطوير.

2007

لا ينسى الظاهري هذا التاريخ، لأنه في هذا العام فقد بصره كلياً، وتغيرت حياته، وأكثر الأشياء التي أوجعته عدم قدرته على القراءة التي كان يفضلها كثيراً.

Email