الوالد خليفة الغفلي أسس مركزاً لبيعها والتدرب على صيانتها

«السيارات الكلاسيكية».. هدير المحركات أخرج فلج المعلا عن المألوف

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

استيقظ الوالد خليفة بوسكين الغفلي في صبيحة يوم مشمش، منتصف الستينيات من القرن الماضي، على صوت بوق مركبة لم يسمع مثله من قبل في وقته، وكان في الثالثة عشرة من عمره في ذلك الوقت، لم يصدق جمال ما وقعت عيناها عليه، إنها سيارة والده الجديدة «لاند روفر»، من طراز 1959، ومنذ تلك اللحظة، أدرك أنه وقع في غرام هدير المحركات الضخمة، وحتماً سوف تخرج منطقة فلج المعلا، حيث ولد وترعرع عن المألوف، فهي كانت وما زالت من المناطق التي تتمتع بالهدوء والسكينة، وهي في واقع الأمر أفضل مناطق الاستجمام، بفضل المناخ المعتدل والنسيم العليل، في ظلال أشجار النخيل الوافرة، مع انتشار المزارع والعزب على طول الطريق، المساحات الخضراء تحيط بك من كل جانب، وهي بعيدة نوعاً ما عن صخب المدن والأحداث والأخبار.

صيانة المحركات

وفى السياق، يقول الوالد خليفة: في ظل الروتين في ذلك الوقت، أعتقد أنني قد خرجت عن المألوف في اهتماماتي، كيافع من ذلك الجيل، وبدأت أبحث كثيراً في المطبوعات والصحف التي كانت ترد إلينا من حين إلى آخر، عن مسميات تلك السيارات، أو الطراز الجديد منها، وأصبحت صيانة المحركات والجوانب الميكانيكية تستهويني أكثر من أي وقت مضي، فالأعطال المصاحبة للمركبات، لا يمكن إصلاحها أو تفاديها دون دراية وخبرة، وتغير كل شيء، بعد امتلاكي لسياراتي الأولى عام 1973، وتحول الشغف إلى هواية، ومن ثم إلى استثمار، من خلال بيع وشراء المركبات، منذ أكثر من 15 عاماً مضت.

ويتذكر الوالد خليفة أن من الأحداث الهامة التي ما زالت عالقة ذكرياتها في ذاكرته، مغامرته الطفولية التي شهدت ذهابه للمدرسة وهو يقود مركبة «أوستن»، من طراز 1962، وكان يشعر بسعادة غامرة هو يقودها عبر الطريق الرملي من فلج المعلا إلى مدينة دبي، ويلتفت جميع من في الشارع وعلى الطريق، لتأمل فخامة وبهاء تلك المركبة.

هياكل ضخمة

ويوضح الوالد خليفة، ارتبطت الكثير من السيارات الكلاسيكية بأهم الأحداث التاريخية محلياً وعالمياً، في ذاكرتنا كعشاق لهذا النوع من المركبات، لذلك، واستكمالاً لهوايتي التي باتت على ضخامة هياكلها، تحتاج إلى مكان أكبر مما هو متوقع، إلى جانب مساحة ملحقه بالمعرض لورش الصيانة، دون نسيان عامل التوثيق خلال عرض معلومات كل سيارة، وأهميتها التاريخية التي تفوق في كثير من الأحيان قيمتها المادية، لذلك قمت بتأسيس مركز الفلج للسيارات الكلاسيكية والتدريب المهني، لعرض وبيع السيارات الكلاسيكية.

هواية المزادات

ويوضح الوالد خليفة، أن هوايته قادته للسفر إلى بلدان العالم، لتتبع الكثير من المدن التي قد توجد فيها تلك المركبات، وعمدت لشراء معظمها من المزادات في بريطانيا تحديداً، ومن ثم باقي الدول، واليوم يضم المركز أكثر من 200 سيارة، تنوعت ما بين موديلات «لاند روفر» بأنواعها المختلفة، و«بيت فرت»، وسيارات «كمر» التي تشبه الشاحنة، وسيارات «دودج»، فضلاً عن بعض السيارات النادرة، أبرزها سيارة «روز رايز» القديمة، وسيارة فورد من طراز 1967، يطلق عليها «فندر بيرد»، وسيارة «كاديلاك» من طراز 1951.

برامج سياحية

وحول مدى تفاعل سكان منطقته مع فكرة إنشاء هذا المعرض، يقول الوالد خليفة: كان تفاعلاً متوقعاً بكل تأكيد، فهو إضافة إلى أن للمدينة موقعاً مميزاً، يضاف إلى المواقع السياحية التي يجب زيارتها، من قبل طلاب المدارس، وخاصة الشباب الذين انحازوا بشكل أكبر إلى ورش الصيانة والتدريب على إصلاح القطع التالفة في السيارات المتوفرة لدينا، والتي خلقت أجواء تفاعلية بين هؤلاء الشباب، مع فئة الزوار الأجانب، الذين يأتون إلى المركز لشراء بعض قطع غيار السيارات النادرة، ومن جانب آخر، استضاف المركز الكثير من الوفود السياحية، عبر تنظيم رحالات إلى البر بواسطة السيارات الكلاسيكية ذات الدفع الرباعي المكشوفة من الأعلى، والذي فتح أمامي المجال في المشاركة في العديد من الفعاليات والمهرجانات ذات الصلة بالمركبات، وعلى سبيل المثال، مشاركته في ليوا، وتحديداً ضمن بطولة «تل مرعب»، إذ حصل على المركز الأول عن فئة السيارات الكلاسيكية.

تقنيات حديثة

ويعتقد الوالد خليفة أنه استطاع أن ينمي هذا الشغف بالسيارات وأهميتها وتاريخها، لدى أبنائه المولعين بالتقنيات الحديثة والتكنولوجية، والذين في حقيقة الأمر أضافوا المعاصرة والحداثة على الأساليب المخصصة لصيانة الأجهزة، عبر استخدام الأجهزة الإلكترونية والبرمجية الآلية في تحديد أماكن العطل واقتراح كيفية معالجتها، ما دفعني للتفكير بجدية في توسيع نطاق طموحاتي المستقبلية، وأهمها المشاركة ضمن فعاليات «إكسبو 2020»، الذي ستحتضنه دولة الإمارات، ليعرض سياراته أمام الزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم، والتي لم يشاهدها من قبل، وعلى سبيل المثال، أمتلك العديد من السيارات النادرة، وأبرزها سيارة حربية تحمل رقم 53، الذي يرمز للفرقة الحربية المشاركة في الحرب العالمية الثانية.

طراز العاصوف

ويشير الوالد خليفة، إلى أن الكثير من المسلسلات التي تحكي عن حقبة تاريخية ما، تستعين بالسيارات الكلاسيكية في العديد من مشاهدها، لبث روح الزمان والمكان على النص والعمل، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يتم الاستعانة بخبراء هذه النوع من المركبات الموثقة في تاريخ الصنع وبلد المنشأ والطراز، واقتراح السيارات المناسبة للعمل، وكانت لي تجربة ممتعة، من خلال تعاوني مع القائمين على مسلسل العاصوف، الذي يعرض منه الجزء الثاني حالياً خلال شهر رمضان المبارك.

كلاسيكية معاصرة

يعتقد الوالد خليفة أنه من الرائع دائماً أن نشاهد أحدث السيارات والتقنيات التي تطرحها الشركات المصنعة في معارض السيارات، إلا أن للسيارات الكلاسيكية التي تنتمي للماضي، والتي تم استعادتها أو الحفاظ عليها، سحرها الخاص، الذي يستحضر ذكريات الزمن الجميل والمميز، ومع قيام العلامات التجارية باستعراض ما سيحمله المستقبل من سيارات كهربائية وذاتية القيادة، خلال معرض دبي الدولي للسيارات، ومنها سيارة مرسيدس 300 إس إل، هي أول سيارة خارقة في العالم، وقد تم تصميم جميع مكونات هذه السيارة، بهدف توفير أجواء مريحة، خاصة أن عتبات الأبواب المرتفعة بصورة غير عادية، تصعب عملية الدخول والخروج من السيارة، الأمر الذي أدى لابتكار هذه الأبواب المتميزة، التي تشبه الأجنحة، وهي تمثل سيارة سباق ذات مظهر جذاب على الطرقات، كما قامت علامة «أستون مارتن» باستعراض أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا السيارات عبر سيارتها «فالكيري»، وقد قامت العلامة أيضاً بتقديم تناقض صارخ، يتمثل بعرض سيارة «أستون مارتن دي بي 5»، والتي حصلت سلسلة «دي بي» على اسمها، تكريماً لمالك الشركة دان براون، حيث يستمر هذا الاسم حتى يومنا هذا.

قطع غيار

يشير الوالد خليفة، إلى أن مجموعته الخاصة، تحوي مجموعة من المركبات التي كانت تستخدم في دولة الإمارات قبل الاتحاد من طراز «لاندروفر» و«بيدفورت كيو إل» و«ويلز فورد» و«وستين» و«دودج»، ومعظمها مركبات دفع رباعي، لذلك قمت ببناء مستودعين يحويان مجموعة هائلة من قطع الغيار النادرة، ومخلفات الحروب التي تم استردادها، بهدف تجربة تجميع وتفكيك بعض السيارات التي تحتاج إلى صيانة من نفس القطع الأصلية، التي تحمل نفس المواصفات، والتأكد من قدرتها على السير في الطرقات الإسفلتية، وأختبرها أيضاً في الصحراء.

في سطور

عشقت مركبات لاند روفر البريطانية المنشأ، والتي يقع مقرها في مقاطعة وركشير، ومصنعها في سوليهل، بإقليم غرب الوسط، وكانت أول سيارة رباعية ظهرت في العالم سنة 1948م، بعد سيارة جيب، التي نشأت سنة 1941، قبل نحو أكثر من 60 عاماً، ظهرت أول سيارات لاندروفر في معرض أمستردام، وسرعان ما حققت هذه السيارات نجاحاً كبيراً، وكانت منطقة الشرق الأوسط، أول مقصد للتصدير لهذه العلامة التجارية للطبيعة الصحراوية.

Email