الوالد عبد الله المطروشي يستحضر حرفة الأجداد من حي الفهيدي

الخنجر الإماراتي.. هيبة سلاح تزينه روح البداوة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

 

ارتبط الخنجر بتاريخ الفنون الإسلامية والإماراتية ومورثها العريق، وطالما نسج فصولاً من الإبداع في كثير من المجالات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بجذورها الأصيلة، ووفقاً للوالد عبد الله المطروشي مؤسس بيت «الخنير»، الذي يتوسط حي الفهيدي، باتت تلك الفنون جزءاً لا يتجزأ من تقاليده الشاهدة على مر العصور، على تفرد تلك الحرف اليدوية، التي امتهنت الإتقان في التفاصيل، ولم تنفصل في منمنماتها التزينية عن روح البداوة، ليبرز الخنجر الإماراتي كقطعة سلاح مغزولة بالهيبة والعنفوان، تتوسط الكندورة الإماراتية من منطقة الخصر، بواسطة حزام مطرز.

حد الخنجر

ويؤكد الوالد عبد الله، أن الخنجر بوجه عام، سلاح ذو حد أقصر من السيف، هو قطعة أساسية مكملة للزي الإماراتي للرجل في الماضي، ولا يمكن أن تكتمل إطلالته قبل خروجه من منزلة دونه، وكانت الخناجر تصنع حسب الطلب، وبمواصفات تعتمد على رؤية الصانع أو الحرفي، بتشاور مع صاحب القطعة حول تفاصيل أجزائه، التي تتكون من المقبض، وهو ما يسمى بالرأس، الذي كان يصنع في الأغلب من العاج وكقرن وحيد القرن، الذي يعد من أثمن القرون، أو الخشب، ومن تفاصيل الخنجر أيضاً، الغِمد المعروف محلياً بــ «الصدر»، ويدق من الذهب أو الفضة، التي تحمل نقوشاً وزخارف متنوعة، في حين ينسج الحزام أو «القطاعة» من القطن أو الجلد الطبيعي المطرز يدوياً بخيوط الذهب والفضة، ليمثل بذلك قمة الجمال وبراعة التصميم واستخدام الزخارف والتطريزات.

الجاموس الهندي

ويضيف الوالد عبد الله، هناك العديد من الخناجر التي لم تصنع رؤوسها من العاج أو قرن وحيد القرن، وتحديداً بعد إعلان القوانين الدولية لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض، ولكن هذا لم يثنِ الحرفي من إيجاد بدائل لا تقل روعة وجمالاً من الذهب والفضة بالكامل، أو قرن الجاموس الهندي للرأس، وتلك التقنيات تحتاج إلى متخصصين ومهارات عالية في التعامل مع مختلف أنواع المواد والخامات الثمينة، إلى جانب القرون العاجية والجلد والخشب، يجب على الصناع إتقان العمل بالفضة، باستخدام تقنيات متعددة، كالسبك والصياغة والزخرفة والختم والنقش والتحبيب والتذهيب والصقل، وتقنيات أخرى غيرها.

هوية محلية

ويؤكد الوالد عبد الله، أن المتحف يضم الكثير من الخناجر من مناطق مختلفة في البلاد، والتي لا تقدر بثمن، وقام بشراء الكثير منها من المزادات خارج الدولة، التي كانت ملكيتها تعود لسائحين وأجانب، يعود تاريخها لأكثر من 80 عاماً، وكما توجد قطع تم منحها للمتحف للعرض من قبل عائلات في رأس الخيمة والعين وأبوظبي، والتي على الرغم من اختلاف تصاميمها، فهي تثبت هويتها المحلية، عبر التدقيق في أجزائها الأربعة التي يصنع كل منها بشكل منفصل، حيث كانت عملية صناعة عناصر الخنجر المختلفة، تتطلب التعامل مع عدد من الحرفيين، حسب درجة دقة العمل، إلا أنه كان من الممكن لحرفي واحد أن يتكفل بصناعة أغلب عناصر الخنجر، مع توفّر المهارة والخبرة اللازمتين.

قطع متوارثة

ويشير الوالد عبد الله، إلى أنه مع القيمة الثمينة للرأس المصنوع من قرن وحيد القرن، كان النصل يتوارث عبر الأجيال، وفقاً لجودته والحفاظ على هيئته الجيدة، وكان يصنع من الفولاذ، الذي يطوع علي هيئة نصف قوس، إلى أن يصل إلى الرأس، ويوضع داخل الغِمد المنحني، الذي يعطي طابعاً خاصاً للخنجر الإماراتي، الذي يثبت بواسطة الحزام حول الخصر، والذي أيضاً يمتلك قيمة فنية تراثية هامة، نظراً للنقوش التي كانت سائدة في ذلك الوقت، والمنسوجة بخيوط حريرية أو قطنية متينة، وكان يربط به من خلال حلقات الغِمد المثبَّتة فوق انحناء الزاوية اليمنى.

فن إسلامي

ويوضح الوالد عبد الله، أن الخناجر ترتبط في طابعها لا شك، بمنظومة ثقافة الفنون الإسلامية، التي ميزت أشكال الخناجر من بلد إلى آخر، وفقاً للقرب الجغرافي أو البعد، فيمكن للخبراء التميز ببساطة بين الخنجر العماني ونظيرة البحريني أو السعودي، وعلى امتداد الخليج العربي، ومروراً بالبحر الأحمر وبلاد الشام، حتى نصل إلى المغرب العربي، في صورها وقوالبها الاستثنائية، التي هي نتاج العبقرية الإسلامية المبدعة في وضوحها واكتمالها، وهو منظومة أشكال متنوعة، تنجز في مختلف الخامات، وينظمها حيز مزدوج الأبعاد، تتسم تكويناتها بالتكرار والتناظر والحركية والانسيابية، والمستوحاة من الأزهار والنخليات والشرائط المتواصلة والأشكال الهندسية والتراثية، والمتعارف عليها بفنون النحت والزخرفة، التي أصبحت سمة أساسية موجودة في تفاصيل التصميم الشرق الإسلامي.

استراتيجية وطنية

ويعتقد الوالد عبد الله المطروشي، أن متحف بيت «الخنير»، يعد أحد الوسائل التثقيفية المعاصرة، ضمن مخرجات استراتيجية الحرف اليدوية التقليدية، التي تسير بالتوازي مع رؤى وتوجيهات قيادتنا الحكيمة، والتي نتطلع إلى إعادة إحيائها وإثبات وجودها من خلال فعالياتنا، والتي تشمل خطة تدريبية شاملة، سواء كانت على مستوى المبتدئ، لتشجيع الشباب للعمل في المجال الحرفي، ولإيجاد جيل جديد من الحرفيين، أو على المستوى المتقدم لصقل مهارات الحرفيين المهرة، وإطلاعهم على ما هو جديد، لتطوير هذه الصناعة اليدوية، بما يحافظ في نفس الوقت على الطابع والهوية، إلى جانب مشاركتنا في المعارض والمنتديات التي تؤكد على دور دولة الإمارات المؤثر في صون التراث، عبر مبادراتها النوعية، التي باتت جزءاً من المنظومة الثقافية والتراثية العالمية.

زخارف إسلامية

الفنون الإسلامية امتزجت بحرفة صناعة الخناجر، والتي استقت نقوشها البديعة وتطريزاتها اللافتة من مختلف بقاع الأرض، وعلى مر العصور، وبرز ذلك التطور والاختلاف الملحوظ في أنماطها وأشكالها، بداية من استقامة النصل المصنوع من الفولاذ، وحرفية المقبض، ومن أشهرها على الإطلاق إلى يومنا هذا، يعرف بخنجر «كارد»، لتفرده بتطعيمات العاج والأشكال الهندسية والنباتية، ولم تتوقف رحلة الخنجر عند هذا الحد، بل قام الحرفيون بصناعة تصاميم متنوعة من العظم وحجر اليشم من مختلف الألوان، وزينت بالأحجار الكريمة النادرة، ولذلك، لا تقدر قيمة الخناجر التي يزيد عمرها على 100 عام بثمن، فهي بحد ذاتها، تحمل بين طياتها العديد من المعلومات عن حرفية وصناعة كل قطعة ومنطقتها، ومن كان يملكها، وفقاً لطريقة الصنع.

في سطور

الخنجر الإماراتي يتميز عن نظيره العماني، واليمني والشامي، فهو أكثر نحافة وطولاً واستدارة، كما أن جزأه السفلي أكثر انحناء، وبشكل عام، هو أصغر حجماً، وتختلف نقوشه بشكل كامل عن غيره من الخناجر، وفى أروقة المتحف، نستعرض أقدم صورة للخنجر الإماراتي في عام 1904، وتعود للشيخ زايد الأول، والتقطها رحالة ألماني بجانب قصر الحصن، فيما يظهر أقدم فيديو للخنجر الإماراتي في مدينة دبي، ويعود للشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم في عام 1937.

Email