الوالدان حسن شرف ومحمد حسين

مرح وفكاهة.. في «هب زيرو» الألعاب الإلكترونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخالصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

لطالما كانت الألعاب الشعبية في السابق مصدراً للغبطة والسعادة بالنسبة للوالد حسن شرف، والوالد محمد حسين، حيث كان اللقاء بعد العصر موعداً ثابتاً بلا اتفاق مسبق، يمارسون خلاله هواياتهم الطفولية البسيطة، التي صنعت توليفتها بإتقان من خامات البيئة المحلية، التي شهدت أحياؤها وأزقَّتها العديد من المغامرات والتحديات المفعمة بالبراءة، وسط تشجيع الأمهات، ونصائح الآباء الحريصين على شد روابط الصداقة بينهما، وحضهما على التعاون وقبول المنافسة المقرونة بروح التسامح.

عربانة حديد

في السياق، يؤكد الوالد حسن شرف، أن «عربانة الحديد»، من ضمن ألعابه المفضلة، والتي حققت له الكثير من الانتصارات في السابق، فهو يجيد السيطرة على عجلتها والسير بها بأقصى سرعة، تلفت الانتباه وتحوز على إعجاب أقرانه الصغار، الذين كانوا يلجؤون له في إضافة تعديل على العربة التي صنعوها، ولكنها تحتاج إلى تدقيق، حيث تقوم فكرتها على إدخال قضيب حديدي طويل في الثقب الذي يتوسط العجلة، مع تقويس الحديدة عند مقبض اليد، وبذلك تكون العجلة جاهزة للدفع والتسابق.

تكنولوجيا الترفيه

خلال تجوالهم داخل مركز «هب زيرو»، الذي يعد أول مركز ألعاب عائلي شامل في المنطقة، ضمن وجهة سيتي ووك، والذي يقدم لزواره تجارب مبتكرة يخوضون خلالها مغامرات شيقة عبر 18 لعبة ومنطقة ترفيهية فريدة، يعود الوالد محمد بذكرياته أيضاً، ليتذكر بعض أهم الألعاب الشعبية التي لا يمكن مقارنتها اليوم، بما يحتويه هذا المكان من مناطق التسلية والترفيه التكنولوجيا التي تم إنشاؤها، بالتعاون مع شركات رائدة. قائلاً: كنت أعشق لعبة الدوامة، وهي عبارة عن خشبة مخروطية الشكل، وتمارس على أرض صلبة، حيث يمسك الطفل الدوامة بطرف أصابعه، فيدورها ويتركها على الأرض فتأخذ الدوامة بالدوران السريع.

قوة التركيز

وهنا، يلتقط الوالد حسن أطراف الحديث، وهو يضحك: نعم هي من الألعاب التي تحتاج إلى تركيز وقوة بدنية كلعبة «التيله»، والتي تتكون من مكونات بسيطة للغاية، تتمثل في قطعة زجاجية كروية الشكل، وألوانها مختلفة، وتلعب بعدة طرق، مثل: الكيس أو الكون وطرق أخرى، والهدف من اللعبة كسب أكبر عدد من التيل، والتي بعد أن نفرغ من تقسيمها على الفائزين، نبدأ على الفور، وقبل أن يدركنا الليل، بخوض «لعبة الحالوسة»، التي ننصعها بواسطة 28 حفرة في الأرض، ويلعبها طفلان، حيث تخصص لكل واحد منهم حفر معينة، وتعتمد اللعبة على الذكاء ودقة تحريك الحصى، وتمريرها عبر الحفر.

مهارات مكتسبة

يوضح الوالد محمد، أن كثيراً من الألعاب الشعبية ساهمت في اكتسابنا المهارات الذهنية والجسدية، عبر ممارستها بشكل يومي، ومنها أذكر لعبة «المريحان»، حيث يجتمع الأطفال في مكان تكثر فيه الأشجار القوية، ويتم ربط الحبال المتينة في جذوع تلك الأشجار، والتحقق من ثباتها، لتكوين أرجوحة معلقة منها، ومن جانب آخر، كانت الأخشاب أيضاً من الخامات التي نصنع منها لعبنا، وأهمها لعبة «المسطاع»، وهي عبارة عن قطعة خشبية صغيرة وعصا، وعلى كلّ طفل يحين دوره ضرب القطعة الخشبية بالعصا إلى أبعد مكان يقدر عليه، ثمّ تُقاس المسافات ليحدد الفائز.

قصص خرافية

وبعد أن حقق ناجحاً ساحقاً على الوالد محمد في إحدى ألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد، وأصاب الكثير من وحوش الزومبي خلال منافسة استمرت أكثر من 10 دقائق، قال الوالد حسن: تستعرض ألعاب الفيديو الحديثة بيئات غريبة عن بيئتنا، وتستحضر قصصاً خرافية من المجتمعات الغربية، والتي يحفظها أطفال اليوم، ويتابعون كل جديد فيها، وأحاول في كثير من الأحيان مجاراة أحفادي خلال ممارستهم لهذه الألعاب الموصولة بشاشة التلفاز، ودائماً ما أكون أنا الخاسر، فهي باختصار لم تكن متوفرة على زماننا، ولم نتعرف إليها من قبل، ولكن، ومن باب تقريب المسافات، واحتواء الأطفال، أحاول قضاء أكبر وقت معهم للنقاش والحديث عن أهمية تراثنا وألعابنا الشعبية.

براءة اختراع

يقاطعه الوالد محمد قائلاً: الزمن يتغير يا صديقي، والتطور قطار سريع لا يتوقف عند محطة ما، والتغير مستمر في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي يشمل كافة القطاعات، ومنها ألعاب الترفيه، بروحها العالمية، يقضي ملايين الأطفال ساعات أمامها من جميع الأقطار والجنسيات، وتحمل براءة اختراع، ولا تحتاج إلى تعريفها كما هو الحال مع ألعابنا الشعبية، التي كانت تعتمد على الارتباط بالذهن والعقل والتفكير، وإعمال الخاطر وسرعة البديهة، واستخدام الحيلة، مثل «الصبة» و«الدامة» و«الألغاز».

ابتكار شعبي

يرى الوالد حسن، أنه من الممكن جداً الاستفادة من ألعابنا الشعبية، وتحويلها إلى ألعاب فيديو متطورة أيضاً، وذلك ليحفظ الصغار تفاصيلها وتكوينها، إلى جانب أسمائها المحلية، ومنها لعبة «البراميل››، وهي لعبة الصبيان، حيث يحضر كل واحد منهم برميلاً، ويحاول كل صبي الوقوف على برميله، ثم يقوم بدفعه بواسطة رجليه، فيتحرك البرميل إلى الإمام، وأثناء تحركه على الصبي أن يحافظ على توازنه، فقد شاهدت منذ فترة مع أحد الصغار، هواتف مرتبطة بنظام لاسلكي، يردون فيه على بعض، وتذكرني تلك اللعبة بما كنا نبتكره في الماضي، عبر إحضار علبتين من علب الكبريت الفارغة، وتعمل ثقب في قاعيهما، ثم يربط سلك معدني طويل في الثقبين، ويمسك كل لاعب بطرف، ثم يأخذ كل لاعب بالجلوس في مكان معين، يبعد عن الثاني بطول السلك، ويضع اللاعبان علبة الكبريت عند أذنيهما، ويأخذان بالتخاطب مع بعضهما·

خبرات مكتسبة

يرى كثير من علماء الوراثة، أن المهارات والخبرات والصفات المكتسبة، لا تورّث، وأن الخبرات والمهارات التي تعلمها جيل من الأجيال، لا يمكن أن يرثها الجيل الذي يليه، وإنما فقط يمكن أن يتعلمها، وإن كانت هناك بعض ألعاب الأطفال، يمكن أن ترد إلى فترات من حياة البشرية، كما يرى بعض علماء النفس، كالربط بين حب الأطفال واللعب بالماء، واعتماد الإنسان على البحر كمصدر لطعامه، أو الربط بين حياته المحلية وبين حب الأطفال لتسلق الأشجار والتأرجح على الأغصان، إلا أن هناك بعض الألعاب لا يمكن الربط بينها وبين مراحل التطور البشري، كاللعب بالهاتف والسيارات والقطارات والصواريخ والطائرات، وغير ذلك.

ومن جانب آخر، يعد اللعب البدني من أكثر أنواع اللعب شيوعاً لدى الأطفال، ويمكن ملاحظة هذا النوع من اللعب يتطور من البسيط والتلقائي والفردي، إلى الألعاب الأكثر تنظيماً وجماعية، كما يعد اللعب الرمزي، من أشكال اللعب التمثيلي، حيث يستخدم الطفل الدمى، كرموز تمثل وتقوم مقام الأشياء والموضوعات الأخرى.

فواصل ثقافية

توجد في الإمارات نحو 25 لعبة شعبية متوارثة في المدن والقرى والجبال والبادية، تعبر في مجموعها عن البيئة التي تربى فيها أطفال الإمارات، وهي تؤكد خصوصيتها النابعة من طبيعة الحياة والجذور التاريخية.

وتعتبر الألعاب الشعبية جزءاً مهماً من التراث الإماراتي الزاخر، الذي ينمي قدرات الأطفال الذهنية والحركية، ويجسد روح التعاون والألفة بين الجماعة، إذ تعبر الألعاب عن روح الشعوب، التي شاعت في عموم الخليج بين الصبية والفتيات، وحتى بين البالغين، حيث كان اللعب يمارس في الأحياء والفرجان، وفي الساحات، وعند ساحل البحر، واشتهرت الكثير من الألعاب الشعبية الخليجية عند العرب قديماً، وتناولتها العديد من الكتب والدراسات، بحثاً وتنقيباً

في سطور

يعد اللعب أحد المجالات التي تساعد في بناء شخصية الطفل، وذلك بما يمنحه من فرص للتعبير عن ذاته وقدراته وإبداعاته، كما أنه مجال غني بالأنشطة التي تشبع حاجة الطفل الملحة للحركة والتأمل والتفكير والإبداع، والتي يكتسب من خلال ممارستها اللياقة البدنية والحركية والنفسية والفسيولوجية والمهارية، إذ إن اللعب يزود الطفل بالخبرات والمعلومات بطريقة تلقائية، فضلاً عن أن ممارسة الألعاب الصغيرة، تساعد على الشعور بالسعادة والغبطة والفخر لإنجاز عمل ما.

Email