الفنان الفلبيني كريستيان كريسينسيو: مجتمع الإمارات يوثّق الذائقة الفنية للشعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

نسجت المبادرات النوعية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ملامح المجتمع الإماراتي المعاصر إيماناً منه بأن معطياتها المؤثرة لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإماراتية في كافة جوانبها الاجتماعية والفنية والأدبية التي هي نتاج لخبرات ومعرفة علمية تجمع كافة جوانب الحياة وعليها أن تقدم الرسالة التي تسهم في تنمية المخزون الإبداعي متعدد الجنسيات والمنفتح بانسجام على مختلف أشكال الإنتاج المجتمعي والذي يضيف إلى الحراك الثقافي المحلي أبعاداً إنسانية متناغمة للسلام والمحبة.

ينتمي الفنان الفلبيني كريستيان كريسينسيو لنقابة فنانين بلا حدود ولا مكان، حيث تعج جدران الشوارع والأزقة برسوماتهم، وقد وصمت فيما مضى بالسطحية والضوضاء، واعتبرها الكثيرون عملاً تخريبياً وابناً غير شرعي لروائع المتاحف العالمية فكرة ومضموناً، فتكاتفوا عالمياً دفاعاً وترويجاً لفكر «الجرافيتي» كفن مستنير يطرق الأبواب ويغذي القلوب ويسكن الأرواح، تجمعهم وحدة الفن وعشق الألوان وتحديات قضيتهم مهما اختلف شكل التعبير عنها، فكان هذا جزءاً من الفن المعماري للعالم الجديد.

واحتفاء بعام زايد شارك كريستيان مجموعة من الفنانين الشباب في رسم مجموعة من اللوحات الخاصة بافتتاح فرع جديد لاستوديو زعبيل في منطقة القوز، هذا بالإضافة إلى مجموعة من المشاريع المختلفة في المجتمع الإماراتي التي تسعى إلى توثيق الذائقة الفنية لشعوب العالم ذات الصلة بما يقدمه من فن الجرافيتي معبراً بذلك عن احترامه العميق لشخصية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الذي غرس أسس التعايش المتناغم مع طبيعة المجتمع الثري بمختلف الجنسيات ويعزف على وتر السلام والمحبة المستقاة من مختلف الثقافات والحضارات التي تخضنها الدولة، وبكثير من المواقف والمآثر العظيمة رسم خارطة للحياة والتعاون بين شعبها، مواطنين ومقيمين، في علاقة مكتملة الأركان يسودها الاحترام للآخر وتقدير كافة الجهود المبذولة وتدعم كل طموح مثمر من شأنه أن يسهم في بناء نهضة شاملة.

توثيق إماراتي

ومن جانب آخر يسجل كريستيان إعجابه بمشروع الموسوعة الوطنية الثقافية الأول من نوعه، والذي يستهدف التوثيق الكامل لبيانات المنجز الثقافي الإماراتي والمبدعين والمثقفين من مواطني الإمارات وتوثيق معلومات وبيانات المؤسسات الثقافية الفاعلة في الدولة، ومعلومات وبيانات ومنجز الشخصيات والأفراد من كتّاب وأدباء وشعراء وفنانين ومبدعين، والذي يطمح إلى أن يمثل منصة تفاعلية للمشهد الثقافي والفني والتي بدورها ما هي إلا ترجمة واقعية لرؤية الإمارات 2021.

وفيما يتعلق بفن الجرافيتي يقول كريستيان: تاريخ الجرافيتي والرسم على الحيطان في الفلبين أو العديد من بلدان العالم أيضا لم يكن مشرعا أو مسموحا به طوال الوقت، فقد واجه الفنانون المختصون بهذا النوع من الفن صعوباتٍ جمة في السابق، لا سيما في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لكن الأمر أخذ بالتغير شيئا فشيئا، فأضحى من العادي جدا أن تجد من يمسك علب ألوان الرش في وضح النهار ويخرج ما في جعبته من فن على أحد جدران المدينة.

ويضيف كريستيان: على عكس ما هو سائد في أذهان معظم الناس بأن الجرافيتي هو ظاهرة حديثة برزت في السنوات الأخيرة، فإن الجرافيتي يعود تاريخه إلى الإنسان القديم قبل 30 ألف عام، حيث كان البشر يرسمون على جدران الكهوف باستخدام عظام الحيوانات، ثم استمرت هذه الظاهرة بالتطور مع تطور المجتمعات لتتجلى أيضاً في الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية، كما عثر على أمثلة أولى للجرافيتي في المدينة اليونانية أَفَسُس في تركيا اليوم، كما يمكن إيجاد جرافيتي الفايكينج في روما وإيرلندا.

كذلك تعد الكتابات التي رسمها جنود فرنسيون على مواقع مرّوا بجانبها في مصر خلال حروب نابليون جرافيتي حديثاً، ولا سيّما بعد الحرب العالمية الثانية، اعتادت العصابات المحلية في أميركا على الكتابة على الجُدران عبر بخّ دهان على جدران في مواقع عامّة لتحديد مقاطعتها وفي ستينات القرن الماضي ألهمت موسيقى الهيب هوب ظاهرة الكتابة على الجدران في نيويورك ولم تعد الظاهرة مرتبطة بـ«ثقافة العصابات»، بل انتشرت وأصبحت أكثر تعقيداً وفنّاً، وخاصة في الفترة الأخيرة.

خصوصية العمل

ويؤكد كريستيان: هناك العديد من الأنواع التي تميز الجرافيتي الحديث، النوع الأكثر انتشارا هو التاج وهو مثل توقيع الفنان ويُعتبر الشكل الأساسي للجرافيتي، والنوع الآخر هو الـ throw-up ويُسمح باستخدام لونين أو ثلاثة.

في هذا النوع يرجح الفنانون السرعة عن الجمال الفني، وبالتالي تقدم اللوحة المرسومة تمثيلاً وصفياً دقيقاً لاسم الفنان ودائماً ما تتكون من ألوان كثيرة وحروف بأشكال أنيقة. وقطعة الرسم تأخذ الكثير من الوقت إذا ما قورنت بغيرها كما يتم رسمها على فترات.

وهناك شكل آخر أكثر حيوية وتعبيراً وهو الـ Blockbuster والذي يرسم على شكل كتلة. الـ Blockbuster يُرسم دائما في بيئة تنافسية من أجل منع فنانين آخرين من الرسم على جدار معين.

وفي أوائل عهد هذا الفن كان الجرافيتي مرتبطاً بموسيقى الهيب هوب في نيويورك، وانتشر الجرافيتي منذ 1979 عندما افتتح الفنانان لي كوينس وفريدي أول معرضاً للجرافيتي في روما ومن حينها تعرف العالم على فن الجرافيتي وانتشر استخدامه في العديد من المجالات كالدعاية والإعلان والتعبير عن الرأي.

وعن كيفية تشجيع الأشخاص وجذبهم نحو الجرافيتي، يستطرد كريستيان: إذا كانت بدايات التجربة لدى البعض الشخبطة على الجدران، فلا بد من تشجيعهم على تمازج الألوان وتناسقها مع العناصر الفنية الأخرى كالحروف أو الأشكال وهو ما يضيف للعمل الفني مزيداً من التميز والتفرد، وإن كانت بدايات فن الجرافيتي على جدران الأبنية والمساكن في ستينات القرن الماضي إلا أنه شق طريقه إلى صالات العرض والمعارض الفنية كما نشاهده في وقتنا الحالي، لا بد من بيئة فنية حاضنة وواعية لهذا النوع من الفنون المعاصرة، تتشارك فيه مختلف الفئات من مؤسسات وأفراد، وما تتركه من أثر إيجابي خاصة لفئات الشباب وتوجيه طاقاته بشكل إيجابي ويعود بالنفع على المجتمع.

وأتمنى أن تتبنى دبي مشروعا للجرافيتي تغلفه الشرعية على نطاق واسع يسير بالتوازي مع مشروعها الناجح جدا «دبي كانفس» الذي يمتلك خصوصية الرسم الجداري «ثلاثي الأبعاد» ويقوم بدوره في تشكيل هوية المدن، وإضفاء طابع إبداعي وجمالي عليها، حيث تكمن أهمية تنظيم «دبي كانفس» لكونه يعزز حضور إمارة دبي كمدينة حاضنة وراعية للإبداع الإنساني، ما يجعل هذا التجمع السنوي احتفالية استثنائية على مستوى عالمي.

حراك ثقافي

ويعتقد كريستيان أن الفنون الحديثة تمتلك فرصة كبيرة للنمو هنا بشكل عام وما يرتبط به من حراك تجاري وثقافي في ظل ما تتميز به دبي من مجتمع منفتح على مختلف الحضارات العالمية وتنوع التركيبة السكانية للإمارة الدولة بشكل عام، وما توفره من بيئة ثقافية متنوعة ذات أسلوب حياة عصري، بالإضافة إلى مكانتها كمركز جذب استثماري وسياحي، مما ساهم في نمو عدد ونوعية الأنشطة الفنية فيها من جانب، واستقطاب كبار مقتني الأعمال الفنية محلياً وعالمياً، إلى جانب بروز شرائح جديدة من المهتمين بالفنون الحرة أيضا كفن الجرافيتي، إلى جانب خصوصية الاستثمار في الفن مقارنة مع باقي القطاعات التقليدية، مع مراعاة ضرورة ألا تكون المقاربة ربحية بحتة، حيث يدخل العامل الثقافي في عملية شراء أي عمل فني، إذ يجب أن يكون المشتري مدفوعاً بجاذبية العمل أو الإعجاب بتفاصيله ولغته البصرية قبل النظر إلى قيمته المادية.

 

أجواء رمضانية

تحتل أجواء شهر رمضان الكريم في الإمارات مكانة أثيرة عند كريستيان ويقول: على مدار الشهر الفضيل فاجأتني مظاهر رمضان في دولة الإمارات كونها بانوراما محتشدة بغنى لوني وبصري وحركي، بداية من مشهد الشوارع المضيئة بالأنوار، أو المتطوعين الذين يزودون المارة بالماء والتمر في وقت الأذان، التي تختلط مع رائحة المأكولات الشعبية، وتقاليد القهوة العربية.

Email