رمضان شهر التنافس في الخيرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

رمضان شهر التنافس في الخيرات، وشهر القرب إلى رب البريات سبحانه وتعالى، وشهر المسارعة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وهي أمور طلبها الله تعالى من عباده المؤمنين في كل الأوقات كما قال سبحانه {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ووصف الذين يسارعون إلى الخيرات بأنهم من الصالحين كما في قوله سبحانه {يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} وأخبر سبحانه أنه من سابق إلى الخيرات فإنه سينالها كما قال سبحانه {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.

ذلك لأن الله تعالى يعامل عبده بكرمه وجوده، فإن علم من العبد صحة قصده وتوجهه إليه أعطاه ما أمَّل، وإن كان عمله لم يبلغ ذلك المبلغ، كما في حديث أنس رضي الله عنه: «إن بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم» قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر».

فدل على أن من سعى بجهده فإن الله تعالى يثيبه على قصده، فعلى العبد أن يسعى جاهداً ولن يخيب الله قصده، لذلك نجد الله تعالى يخاطب عباده بصيغة العموم قائلا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ثم ذكر من صفاتهم ما هو متاح لكل موفق.

فترى أن الله تعالى فتح أبواباً كثيرة للمسارعة والمسابقة إلى الخيرات، من الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ مع القدرة على الإنفاذ، ومن ذكر الله والاستغفار عند ظلم النفس، وعدم الإصرار على المعصية، فكل هذا من المسارعة إلى الخيرات التي تُرضي الله تعالى، وتكسب العبد ثناء مولاه سبحانه ومحبته له.

فإذا كان ذلك في سائر الشهور ففي شهر رمضان الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار».

فإن الأمر بالاستكثار يعني المسارعة إلى الخيرات لاسيما ذكر الله تعالى الذي هو أجل القرب إليه سبحان كما قال صلى الله عليه وسلم: «سبق المفرِّدون» قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات».

وقال معاذ رضي الله عنه: «ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا، ولو ضرب بسيفه، قال الله: {ولذكر الله أكبر}.

والصائم لا بد أن يكون ذاكراً ربه كثيراً؛ بقراءة القرآن الكريم في نهاره وليله، وباستغفاره وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره، وبالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك مما يحبه الله تعالى ولذلك أمر الله بالإكثار من ذكره من غير تحديد لنوع الذكر، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فهي كثرة مقصودة بأعداد وأنواع غير محدودة، حتى يتنقَّل العبد في صنوف الأذكار فلا يمَلّ.

وكذلك مسارعة الصائم بصنوف أعمال الخير الأخرى من صلاة النوافل في ليله ونهاره، ومن كثرة الصدقات والقربات للصائمين إفطارا وصدقات وزكوات، وتلمس حاجة المحاويج لاسيما ذوي القربى ومن ضاقت عليه دنياه، وكل ما يقدر على فعله من وجوه القُرُبات، فإن العبد إذا كان قد فرط في بعضها سائر السَّنة فلا ينبغي أن يفرط في شهر المسارعة إلى الخيرات، حتى لا يكون ممن غُبن في هذا الشهر الكريم كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله».

وإنما يُبعد لأنه لم يُعز نفسه بشدة إقباله على مولاه سبحانه في شهر هو مضمار التنافس في الخيرات، فكان بعيدا عن الخير، قريباً من الخسران؛ حيث لم يستغل فرصة عمره وشريف وقته فيما يقربه إلى مولاه، كما ورد في الحديث القدسي: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه». ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

Email