رمضان شهر التوبة من جميع الذنوب

التوبة هي ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكن أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة.

وشهر رمضان هو شهر يتجلَّى الله تعالى فيه على عباده بالتوبة، كما قال سبحانه: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فهو سبحانه يتوب عليهم بالقبول، ليتوبوا إليه بالرجوع والإقلاع، وهي مراد الله تعالى من عباده، فإنه سبحانه أمر بها أمراً جازماً كما في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} والأمر فيها للوجوب لكل العباد؛ لأنه لا يخلو عبد من عباد الله من التقصير في حق مولاه، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إليها في كل حين فقال عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب، في اليوم إليه مائة مرة».

منزلة

ولعظيم منزلة التوبة عند الله تعالى ومحبته لصاحبها فإنه سبحانه يبدل سيئات المذنب حسنات كما قال سبحانه في شأن أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي المختلفة من الشرك والزنا وغير ذلك قال لأولئك {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} حتى إنه سبحانه وتعالى طلبها من أولئك الذين أشركوا بالله وقالوا إن الله ثالث ثلاثة، وهذا الذنب هو الظلم العظيم، ومع ذلك فإنه قال لهم: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لأن من تاب تاب الله عليه، فهو سبحانه لا يتعاظمه ذنب، ولذلك هو سبحانه يخاطب عباده قائلاً {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، فهم قد أسرفوا ومع ذلك فهو سبحانه يدعوهم للتوبة والرجوع، وأنه سيتقبلهم قبولاً حسناً ويبد ل سيئاتهم حسنات.

قبول

فتح سبحانه باب التوبة للعباد ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً كما روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدِكم، يا عبادي: كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي: كلكم عارٍ، إلا من كسوته، فاستكسُوني أكسُكم، يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً، فليحمدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه» وكان أبو إدريس الخولاني -رحمه الله- إذا حدث بهذا الحديث، جثا على ركبتيه لعظمته وما فيه من عظيم الرجاء.

وجاء في الحديث القدسي الآخر أن الله تعالى يقول: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة».

فكل هذا يدل على عظيم لطف الله بعباده وتحننه عليهم لو أنهم أقبلوا عليه، ولذلك فتح لهم مواسم الخيرات كهذا الشهر الكريم الذي هو كفارة السنة لمن تعرض فيه لنفحات الله تعالى، وإلا فإنه سيكون خاسراً عياذاً بالله من ذلك.