حدث في رمضان

معركة المنصورة .. مصر تقهر الصليبيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

اغترت أوروبا بقوتها بعد اقتحامها للعالم الإسلامي ظناً منها أن المسلمين خارت قواهم وهانت عليهم أنفسهم، وأرادوا أن يقضوا على القوة الباقية في البلاد الإسلامية، المتمثلة في مصر، التي جعل منها الملك الصالح أيوب جبهة عصية على الاختراق، ولكن وفاته جعلت القائد العسكري للصليبيين روبرت أرتوا يغتر بقوته ويسعى للزحف من دمياط، التي احتلوها أثناء مرض الملك الصالح، إلى مدينة المنصورة للقضاء على الجيش الأيوبي، ولم يعر أرتوا آذانه لنصائح المستشارين بأن ينتظر وصول الملك لويس التاسع والجيش الرئيسي. وبذلك نشبت معركة المنصورة في العاشر من رمضان سنة 647هـ.

يذكر الدكتور علي الصلابي في كتابه (المغول بين الانتشار والانكسار: 277 وما بعد) أن المسلمين أمروا عليهم الأمير بيبرس البندقاري (يقال إنه غير الظاهر ركن الدين بيبرس)، فأقام جنده في مراكز منيعة داخل المدينة، وانتظروا حتى تدفق الصليبيون إلى داخل المنصورة، ولما أدركوا أنهم بلغوا أسوار القلعة التي اتخذها المصريون مقراً لقيادتهم، خرج عليهم المماليك في الشوارع والحارات والدروب وأمعنوا في قتالهم، ولم يستطع الصليبيون أن يلتمسوا لهم سبيلاً إلا الفرار، فوقع الاضطراب بين الفرسان ولم يفلت من القتل إلا من ألقى بنفسه في النيل، فمات غريقاً أو كان يقاتل في أطراف المدينة، وكانت المنصورة مقبرة الجيش الصليبي «ينظر أيضاً (د. محمد الصلابي: الأيوبيون بعد صلاح الدين: 356)».

وصول جيش لويس التاسع

جزع لويس التاسع بتلك الصدمة، فبادر بإقامة خط إمامي لمواجهة ما توقعه من هجوم، من قبل فرسان المماليك ضد قواته، كما أقام جسراً من الصنوبر على مجرى البحر الصغير عبر عليه النيل مع رجاله ووزع رماته على الطرف البعيد للنهر حتى يكفلوا الحماية للجند عند عبورهم متى دعت الضرورة إلى ذلك، لكن المماليك لم يتركوه وشأنه وبادروا بشن هجوم على المعسكر الصليبي وقاد الملك الفرنسي المعركة بنفسه وأجبر المسلمين على التراجع نحو المنصورة، وعلى رغم من الانتصار الصليبي، إلا أن موقف الصليبيين أخذ يزداد سوءاً بسرعة واضحة، بعد أن قلت المؤن، كما فقدوا نسبة مرتفعة من فرسانهم في معركة المنصورة، وانتشرت الأمراض بينهم، وظل الملك الفرنسي زهاء ثمانية أسابيع، في معسكره أمام المنصورة، آملاً بأن يحدث انقلاب في مصر، بعد وفاة الملك الصالح أيوب.

تورانشاه يقود المعركة

وصل تورانشاه ابن الملك الصالح إلى المنصورة، فأعد خطة عسكرية كفلت له النصر النهائي على الصليبيين. ارتفعت معنويات المصريين وبين صفوف المماليك بعودته. وأمر بإنشاء أسطول من السفن الخفيفة نقلها إلى فروع النيل السفلى وأنزلها في القنوات المتفرعة، فأخذت تعترض طريق السفن الصليبية التي تجلب المؤن للجنود من دمياط، فقطع بذلك الطريق عليها وحال دون اتصال الصليبيين بقاعدتهم دمياط، وفقد الصليبيون عدداً كبيراً من سفنهم قدّرتها المصادر بما يقرب من ثمانية وخمسين سفينة، انقطع المدد من دمياط عن الفرنج ووقع الغلاء عندهم، وصاروا محصورين لا يطيقون المقام، ولا يقدرون على الذهاب وتشجع المسلمون وطمعوا فيهم وأدرك لويس التاسع استحالة الزحف نحو القاهرة في ظل هذه الأوضاع وبدأ يفكر في العودة إلى دمياط.

لويس التاسع أسيراً

وصل الصليبيون إلى شرمساح عند منتصف الطريق بين المنصورة ودمياط، ولكن الملك كان مريضاً، وأحاط المماليك بجيشه من كل جانب، وشنوا عليهم هجوماً عاماً ولم يقو الملك على القتال، وتم تطويق الجيش بأكمله، وحلت به هزيمة منكرة، ووقع هو وجنوده في الأسر حيث سيق مكبلاً إلى المنصورة، وقد بلغت عدَّة القتلى ما بين عشرة آلاف وثلاثين ألفاً، وغنم المسلمون من الخيل والبغال والأموال ما لا يحصى كثرة وأبلى المماليك في هذه المعركة بلاءً حسناً وبان لهم عظيم الأثر فيها.

يوم أغر

تبقى مدينة المنصورة في مصر شاهداً على يوم أغر من أيام المسلمين التي دحروا فيها الصليبيين وألحقوا بهم هزيمة نكراء، لتقول لأجيال المستقبل: إن النصر لا يأتي من الكسل والخمول، بل هو نتيجة لمقدمات تسبقه من التخطيط والتدبير وحسن البلاء، وقبل ذلك إيمان بالله ويقين بنصره، فهذه أحيائي وأزقتي لو كان لها لسان لتكلمت عن عظم ما قدمه أجدادكم من بطولات يرفع بها الرأس وتقر بها العين، ولن تعدم هذه الأمة رجالاً يقومون على حراسة عرين هذا الدين وإقامة الحق والعدل ليعم السلام وينعم الإنسان.

Email