ابن القاسم القائد الذي فتح السند

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشباب أمل الأمة ومحرك نهضتها، هم العنصر الأهم الذي تولد منه الطاقات وتعمر به الديار، خبا نور تأثيره في أيامنا بسبب أن شبابنا لم يعرفوا قدر أنفسهم، ورضوا لها الانحطاط في هوي الشهوات، والبقاء في سن الأطفال، حتى غدوا بأجسام الكبار وأحلام العصافير.

ولو أنهم قرأوا وعلموا بأخبار أقرانهم من الشباب الذين طوت صفحات تاريخهم الأيام لما رضوا لأنفسهم طموحاً أدنى منزلة من الثريا؛ فما سادت أمة إلا برفعة شبابها وعلو قدره وما انحدر قوم إلا بانحدار شبابه وفساد شأنه.

في السادس من شهر رمضان عام 92هـ استطاع واحد من أعلام الشباب أن ينتصر على أمة الهند، التي ضربت بجذورها في أعماق التاريخ، ومع ذلك تغلب عليهم وفتح بلاد السند ليبدأ نور الإسلام يضيء أرجاء شبه القارة الهندية.

بداية الفتح

كان ابتداء ذلك عندما كتب الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق رسالة إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند، وأرسل الحجاج عبدَ الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد، فما كان من الحجاج إلا أن قام بإلقاء هذه المهمة البالغة الصعوبة والشدة على شاب ألمعي حفر اسمه في صخور الذاكرة الباقية ما بقي الليل والنهار.

ما كانت لتقاس قيمة المرء بسنه، بل بإنجازاته وما قدمه لأمته، فمحمد بن القاسم الثقفي فتح بلاد السند ولم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ومع ذلك قاتل جيشاً يقال إنه بلغ أكثر من ستمئة ألف مقاتل، وانتصر عليهم، ليس هذا خيالاً بل هو حقيقة تاريخية وقعت أيام خلافة بني أمية للأمة الإسلامية، محمد بن القاسم الثقفي هو من قال فيه الشاعر:

إن السماحة والنجابة والندى .... لمحمد بن القاسم بن محمدِ

قاد الجيوش لسبعَ عشرةَ حجةً .... يا قرب ذلك سؤدداً من مولدِ

تعيين محمد بن القاسم، لم يكن محاباة لقرابة كانت بينه والحجاج، (فهو ابن عمه)، بل لأهلية تحلى بها ذاك القائد الشاب، حيث لم يلبث أن تحرك بجيشه إلى مدينة شـيراز فعسكر بظاهرها، وبعد استكمال الاستعدادات انطلق ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق.

جاء في كتاب (الدولة الأموية عوامل الازدهار والانهيار: 52): »مضى محمد إلى مكران فأقام بها أياماً، ثم أتى »فنزبور« ففتحها، ثم أتى »أرمائيل« ففتحها أيضاً، فقدم »الديبل« يوم جمعة، فوافته هناك سفنه التي كانت تحمل الرجال والسِّلاح والعتاد والمهمات.

فخندق حيث نزل وأنزل الناس منازلهم ونصب منجنيقاً كان يعمل على تشغيله خمسمئة من الرجال ذوي الكفاءة المدربين على استخدامه، فدكّ بقذائفه معبد الهنادكة الأكبر، وحاصر محمد »الديبل« وقاتل حماتها بشدّة فخرجوا إليه، ولكنه هزمهم حتى ردهم إلى البلد، ثم أمر بالسلالم فنصبت وصعد عليها الرجال«.

الفيلة في الحرب

ثم سار ابن القاسم نحو حصن »سيويس« وفتحه، ثم عاد إلى نيرون، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند، وبعد عبور الجيش سار ابن القاسم إلى منطقة »جيور«، ونزل بجيشه على مقربة من نهر »ددهاواه«، والتحم الجيشان في معركة استمرت 7 أيام، استخدمت فيها الفيلة، وكان عددها ستين فيلاً، وكان داهر على أكبرها، فاشتد القتال بشكل لم يسمع بمثله، ولكن الله نصر المسلمين.

جاء في كتاب (نهاية الأرب: 305): ».. فلقيه محمد ومن معه وهو على فيل، والفيلة حوله، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وترجّل داهر، وقاتل فقتل عند المساء، وانهزم الكفار وقاتلهم المسلمون كيف شاءوا، وقال قائلهم:

الخيل تشهد يوم داهر والقنا ... ومحمد بن القاسم بن محمّد

أنّى فرجت الجمع غير معرّد ... حتى علوت عظيمهم بمهنّد

فتركته تحت العَجاج مجندلا ... متعفّر الخدّين غير موسّد«

 

اقتحام الأسوار

 

واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة، وكان أهمها مدينة ملتان - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه- فامتنعت عليهم شهوراً، إلى أن اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوها، واستمر ابن القاسم في مسيره حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط.

Email