وانغ: قيم المجتمع الإماراتي الأصيلة تعكس روح المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نافذة على الآخر تُروى من خلالها شهادات شخصية ورؤى إنسانية تسرد قصصها في زيارتها الأولى لمدنها العامرة بالعطاء، في نسيج متداخل يغزله الفرح وتشد أطرافه ألوان التواصل الحضاري التي تعكس صورة مجتمع مترابط الصفوف تسري في أوصاله طاقة الأمل واستشراف المستقبل النابعة من قلب الإمارات النابض باحترام الآخر.

أصالة المجتمع الإماراتي ليست رصيداً تاريخياً فحسب، كما تؤكد مُعلمة التربية الخاصة وانغ، بل هي تفاعل مستديم مع مستجدات العصر، وحضور فاعل وحيوي مع مشاغل العصر، فالإماراتيون يؤمنون بأنه ليس هناك معاصرة حقيقية بلا جذور ثقافية واجتماعية، وتلك علامتهم الفارقة، فالتقدم والرقي لا يأتيان من فراغ، وإنما يعتمدان على قيم وتاريخ، وينطلقان بهذه القيم والنماذج من أجل التقدم والتطور.

تناغم مشترك

تضيف وانغ التي تزور الإمارات للمرة الثالثة رفقة مجموعة من الأصدقاء، أن أكثر ما يميز المجتمع هو التوازن في كل الأشياء والمعتقدات، فالمعاصرة ليست ذوباناً في الراهن، وليست انسلاخاً من الجذور وهذا الضرب من التواصل الراقي إنما ينبثق من الإرادة الجماعية والرغبة المتبادلة والإحساس المشترك، باعتباره ضرورة من ضرورات التعايش والتفاهم بين الشعوب. هو سلوك حضاري بالمفهوم العميق للحضارة، والعالم اليوم في أشد الحاجة إلى هذه الأنماط من السلوكيات والممارسات المتحضرة، التي من شأنها أن تخفف من أجواء التوتر وتفتح المجال أمام تعزيز التعاون الدولي، وتحقق الاندماج والتناغم الاجتماعي عن طريق تبادل معرفي وتقني.

التراث الحضاري

وترى وانغ أن اكثر ما يشدها لزيارة الإمارات في كل مرة هو الاهتمام بالتراث الحضاري الذي يعكس نجاح الإمارات في تسجيل هذه المفردات ما شهده قطاع التراث من تطور واهتمام في السنوات الأخيرة، وما بات يتميز به من منهجية عالية على مستوى الجمع والرصد والتوثيق وآليات العمل، إلى جانب وجود برامج متكاملة لتعريف الزوار والسواح بالثقافة المحلية ومخرجاتها ومنها مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري الذي يمنحنا الكثير من المعلومات الدقيقة حول كافة الأمور العالقة في أذهاننا أو تحتاج إلى تفسير، وذلك بحكم البعد الجغرافي واختلاف الثقافات.

المأكولات الشعبية

وتوضح وانغ أنها من خلال البرامج والوجبات الإماراتية التراثية التي ينظمها مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري، تعرفت إلى العديد من الأطباق التي باتت مألوفة مع تكرار زيارتي لدبي، فإن الجميل في المجتمع المحلي هو تمسكه بالتقاليد مهما تطورت الحياة، ولهذا تم الحفاظ على الأكلات الشعبية الموروثة عن الآباء والأجداد، فالجيل الجديد لا يزال يقبل على هذه الأكلات ولا يفضل الوجبات السريعة غير أن العجيب في الأمر هو استقبال المطابخ الشعبية لبعض الزبائن الغربيين الذين تلفت أنظارهم بعض المأكولات الشعبية.

تقاليد القهوة

تشير وانغ إلى أن عادات تقديم القهوة العربية طالما لفتت انتباهنا نظراً لخصوصيتها، مع أول فنجان قهوة قدم لي في المركز تعلمت كل ما هو «منقود» عند العرب ووفقاً للموروث وما هو متعارف عليه ألا يملأ فنجان القهوة إنما يصب ربع الفنجان فقط، وعند الانتهاء من شرب القهوة يجب أن يهز الضيف الفنجان ليعلن عن اكتفائه من القهوة، وإذا لم يفعل سيعاود «المقهوي» ملء الفنجان من جديد، كما يجب على الضيف أن يسلم الفنجان «للمقهوي» بيده بعد الانتهاء من شرب القهوة ولا يضعه على الأرض، لما في ذلك من احترام وتقدير «للمقهوي»، ومن تقاليد القهوة أيضاً أن يبدأ تقديمها للضيف في المقام الأول ثم للجالسين من على يمين الضيف، كما يعتبر من العيب أو ما يعرف بـ«المنقود» عند العرب أن تقدم القهوة باليد اليسرى، إذ يتوجب على «المقهوي» تقديم القهوة باليد اليمنى، ويتناولها الضيف باليد اليمنى أيضاً.

 

في سطور

الاسم: وانغ شين

العمر: 48

المهنة: مُدرسة تربية خاصة

الهواية: الرسم

الجنسية: الصين

إن نمط العيش ومستوى الحياة والرفاهية اللذين توفّرهما الدولة للجنسيات المختلفة التي تعيش على أرضها، فضلاً عن ملايين السياح سنوياً، وما يسود المجتمع الإماراتي من قيم إيجابية يستلهم منها الجميع عناصر الحياة، كان ذلك كله السبب المباشر في تقدم الإمارات وفقاً للتقارير السنوية عن أكبر الدول في العالم.

خصوصية الهوية

هناك الكثير من أوجه التشابه بين الإمارات والصين من حيث احترام التقاليد والأسرة، فبعد انخراط الصين في عالم الحداثة من موقع الفاعل فيها وليس المتلقي لسلبياتها، حافظت قدر المستطاع على تقاليدها الإيجابية، وجمعت بين خصوصية الهوية الموروثة وموجبات الهوية الجديدة المنفتحة التي كانت من أبرز ثمرات مجتمع المعرفة، وتبنت الحريات العامة والخاصة في إطار نظام ديمقراطي تأسس على دستور سلمي قوامه الانفتاح، والتسامح، والاعتراف بحق الاختلاف، والتنوع، وبناء المواطنة المسؤولة.

وشاركت بفاعلية في نشر العلوم العصرية، والتكنولوجيا المتطورة، وثورات العلم والإعلام والإعلان والتواصل، ومن جانب آخر فقد نجحت الإمارات في حماية ثقافتها وتقاليدها الموروثة وهويتها المتشبثة بالجذور ولغتها العربية التي تمثل وعاء لثقافتها المحلية التي أسهمت في بناء النهضة البشرية والاقتصادية المستدامة، وكأداة للتواصل الإنساني في جميع تجلياته، والتي تكللت بنجاح التجربة الإماراتية الوحدوية التي ترسخت جذورها على مدى عقود متصلة، وذلك نتيجة طبيعية للانسجام والتناغم بين القيادات السياسية والتلاحم والثقة والولاء والحُب المتبادل بينها وبين مواطنيها.

وتعد في قائمة أفضل الدول في العالم جذباً للعمل والإقامة فيها وأحرزت المرتبة الأولى عالمياً في التعايش السلمي، عبر استثمار رأس المال البشري وشباب الغد والمستقبل الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تحقيق التنمية ونجاح وتطوير ونهضة المجتمع وتقدمه، فإن الاهتمام بهم وتنمية قدراتهم إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة.

تذوق الفنون

وترى وانغ أن الإبداع أهم رسالة فنية، وذلك لما يحمله من معانٍ تعكس القيم الجمالية التي لا بد أن تمتاز بها اللوحة الواقعية، التي تمر بين أنامل الفنان عبر ريشته إلى أعين المتذوق للفنون ليتطور مستوى التأثير فيه، منتقلاً من مرحلة حب اقتناء الإبداع الواقعي إلى مرحلة إثارة الفضول المتسائل حول قيم هذا الإبداع وكيفية تحوله من مجرد فكرة إلى رسالة بصرية تسهم في إضافة جمالية ذات معنى للمكان الذي سوف تعلق فيه، وهذا يشير إلى ارتفاع أفق الذائقة الفنية لدى المتلقي، الذي يناقش الأبعاد الفنية والقيم الجمالية فيما هو مطروح أمامه من أعمال، سواء كانت داخل قاعات مغلقة أو جزء من التراث المادي لحضارات الشعوب.

Email