براندي لوكــا.. التسامح لوحة تزينها الثقافة الإماراتيـة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نافذة على الآخر تُروى من خلالها شهادات شخصية ورؤى إنسانية تسرد قصصها في زيارتها الأولى لمدنها العامرة بالعطاء، في نسيج متداخل يغزله الفرح وتشد أطرافه ألوان التواصل الحضاري التي تعكس صورة مجتمع مترابط الصفوف تسري في أوصاله طاقة الأمل واستشراف المستقبل النابعة من قلب الإمارات النابض باحترام الآخر.

عندما أرسم أنفصل عن العالم الخارجي وأنغمس في ذاتي مروراً بريشة ولوحة تحمل خطوطها مزيجاً من واقعي وأحلامي، وبداية جديدة محملة بأهداف نحو المستقبل وخلال زيارتي القصيرة الأولى للإمارات لمست عن قرب عبر مدينة دبي، النسيج المتماسك في المجتمع متعدد الجنسيات والأعراق، فالتسامح لوحة تزينها ثقافة المجتمع الإماراتي، وأتمنى أن أتمكن يوماً من أن يعكس أحد أعمالي نموذجها الفريد من نوعه.

لغة الحوار

لا تؤثر تلك الفروق بشكل أو بآخر في طبيعة التعاطي وأسلوب الحياة المنسجم كما شاهدت في الإمارات، والمدرك تماماً لكافة حقوقه وواجباته تجاه الآخرين، حيث يسود الحوار والحرص على تبادل المعارف والثقافات، والتي لها أكبر الأثر في نشر السعادة الحقيقية بكل معطياتها، ونبذ الطائفية والتطرف الذي أصبح هاجس كثير من المجتمعات حول العالم، لذلك كان من الواجب علينا كفنانين ومهتمين بالحقول الثقافية أولاً وقبل كل شيء أن نُعرِّف الحوار، ونُبيِّن مفرداته، ونحدد اللغة التي يجب علينا أن نتخاطب فيها، فلا حد ينكر أننا كغربيين استفدنا بشكل كبير من الفنون العربية وتراثها، ومن يطلع على أعمال الفنانين الغربيين يرى أنهم تأثروا بالفن الشرقي وبنوا عليه أعمالاً كثيرة ساهمت بدورها في تعزيز ثقافة الحوار.

وأعربت براندي لوكا عن فخرها وتقديرها للمجتمع الإماراتي متعدد الجنسيات خلال انضمامها لإحدى جلسات مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري، لأنه يعبِّر عن الوجه الحقيقي والصحيح للعرب والمسلمين. مؤكدة أن التسامح لغة عالمية وتتجسد أهميتها من خلال الجهود الإماراتية الحثيثة لتفعيل نشاطاتها ونقلها كمنظومة تفاعلية شيقة، وإن كانت مستحدثة على ثقافة المجتمع.

تنوع خلاق

لم تستطع براندي إخفاء شعورها بالدهشة والإعجاب في الوقت ذاته عندما أطلعت المرشدة الحضور على التنوع الثقافي وعدد الجنسيات التي تعيش على أرض الإمارات قائلة: التنوع الخلّاق هو الظاهرة الأبرز في الإمارات، فهناك فسيفساء من نحو 200 جنسية من شتى أنحاء العالم تعيش وتعمل بكل هدوء داخل الإمارات في حالة عجيبة من الانسجام، ومن دون الشعور بأي نوع من الاضطهاد الديني أو العرقي، وهذا أمر يحسب للدولة وحكمتها في التعامل مع هذا العدد الكبير من الأقوام والجنسيات من مختلف التوجهات الدينية والعرقية.

وبرأيي أن الإمارات نجحت أيضاً في منع وصول الخلافات السياسية والصراعات في تلك الشعوب إلى أراضيها، فبقيت واحة أمان وهدوء ومحبة تحتوي الجميع تحت مظلة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي من أجل الازدهار والبناء.

عالم مثالي

في ختام الجلسة أكدت براندي أنها سوف ترحل إلى موطنها وهي تحمل معها أجمل الذكريات عن رحلتها إلى دبي، العامرة بالحب واحترام الآخر، مضيفة: إن عملي في مجال التسويق والاتصال لم يفصلني عن هويتي كفنانة مولعة بالرسم وفنونه، ورسالتي هي العمل من أجل عالم مثالي أفضل، تعمّه المحبة والسلام.

رسم منظومته الفكرية الفنية على رؤى الفكر، كون الفكر والمعرفة هي قوام الحياة، وعن طريق الفكر والمعرفة يستطيع الإنسان فهم معنى الحب والعطاء، ومن رحم الحب والعطاء يولد السلام، ويعم الكون السلام والوئام.

فالإنسان والطبيعة موضوعان أساسيان في لوحاتي. وجود الإنسان في الطبيعة ووحدته وانسجامه التام معها، هو رمز للجمال البدائي والسلام والبساطة والبراءة، الشيء الذي يجعل طابع الحلم طاغياً على صباغتي. لوحاتي هي في الغالب أحلام يقظة. أفضل كذلك الأبعاد الكبيرة التي تخول لي دمج العديد من التقنيات.

مضامين اجتماعية

خلال تجولها بحي الفهيدي ومحيط منطقة دبي القديمة، تؤكد براندي أن التجربة الإماراتية في نشر السعادة والتسامح سجلت حضوراً نوعياً في عمق التجربة الإنسانية عالمياً، حيث أعادت صياغة المفاهيم الحضارية بتنوع الاحتياجات المجتمعية في إطار الزمان والمكان، واستطاعت تجاوز حدود الدين والعرق واقترنت بحرية التفكير القائم على منظومة من المضامين الاجتماعية والثقافية، في إطار التباين، ومن ثم الحفاظ عليها وحماية ما تنطويان عليه من مضامين اجتماعية تعترف بالآخر وتقدر الذات المختلفة بنزاهة ونبل من منطق واعٍ ومقدر أنه ليس هناك من فواصل حادة أو تباين بالمطلق، بل إن هناك مساحات مشتركة بين رؤية وأخرى، مهما تباينتا، وإن هذه المساحات المشتركة تمثل مساحات التداخل التي تمثل الجسور الممتدة ونقاط اللقاء بين كل الأطراف، ويرتبط ذلك ارتباطاً عميقاً بمفهوم السلام الذي يتنافى مع أي ممارسة للعنف والقسر والتسلط والعدوان، ودولة الإمارات بهذا تضرب أفضل الأمثلة على حسن التعايش بين البشر، والارتقاء بالإنسان، سواء من حيث المادة والمعنى والقيمة والروح.

تبادل ثقافي

أشادت براندي بدور المواطنين والمقيمين في مد جسور التواصل المثمر بين ثقافات الشعوب المختلفة، وإتاحة الفرصة لتناقل التجارب والخبرات، حيث إن ما يميز الإمارات هو هذا الانفتاح الملهم على ثقافة الآخر وتشبع أبنائها واستفادتهم منه، فبدل أن يسافروا إلى الآخر لاستكشاف ثقافته بمقدورهم أن يطلعوا عليها من خلال الجاليات المقيمة، فثقافة الشعوب ونجاحها يقاس بقدر تفاعلها وتواصلها واستيعابها ثقافات الآخر ومدى استفادتها منها، وهذا ما تحققه الدولة، التي قطعت أشواطاً لافتة في ظرف قياسي نحو ترسيخ مبدأ التعايش والانفتاح على الآخر وفق استراتيجية محكمة، لافتة إلى أن حضور تلك الثقافات يتجلى حتى في ثقافة الأكل التي تنتشر عبر المطاعم المتعددة التي تتوزع في إمارات الدولة كافة، كما يبرز بوضوح في المواسم والأنشطة الثقافية التي تنظمها الجاليات المقيمة في الدولة.

الاسم: براندي لوكا
العمر: 27 عاماً
المهنة: فنانة تشكيلية
الهواية: السفر
الجنسية: المكسيك

لدي قناعة تامة بأن البحث عن المشترك الثقافي هو المدخل لشراكة آمنة لبناء حضارة الإنسان، والوعي بهذا كله يعد بمثابة تمهيد لترسيخ ودعم قيم التسامح. إنه الفهم الجيد لتأصيل لغة الحوار المشترك حول قيم التعاون والسلام، وبموجب هذا المشترك الإنساني تستطيع الأمم والمجتمعات بناء عالم أكثر أمناً وعدالة، ويهيئ فرصاً جيدة لحوار الثقافات من أجل بناء مستقبل الحضارة البشرية، ومن هذا المنطلق علينا كأفراد أن نعي أدوارنا تجاه أصحاب الهمم ونساعدهم على تطوير مهاراتهم وتحفيزهم.

Email