رفيعة الهاجسي: إماراتية «وأفتخر»

في حب الوطن، سطرت رفيعة الهاجسي أول عارضة أزياء إماراتية تراثية، خطوطها العريضة في مواجهة كافة التحديات الاجتماعية والمهنية، فهي مؤمنة بمسيرة النهوض بالمرأة وتمكينها وتعزيز دورها وحقوقها لتحقيق أهدافها، وتسلحت برؤية بناها الشيوخ الأوائل مؤسسو الاتحاد على مدار 43 عاماً للوصول إلى المركز الأول دائماً، مع قمة الإنجاز المتفرد الذي يحمل بين طياته معاني الوفاء والإخلاص لهذه الأرض الطبية، التي زرعت أسمى المبادئ والقيم في نفوس بنات الإمارات الشغوفات بمزج أحلام المعاصرة بأصالة المورث.

عاشقة التراث

عشق الهاجسي للأزياء التراثية المحلية، نابع من تعلقها ببيئتها الإماراتية التي تحمل في طياتها عبق الماضي المرسخ بصلابة الانتماء وأصالة أفراد الشعب الذين لا يزالون مُتشبثين بزيهم الوطني، رجالاً ونساء، فهي لا تعرض فقط الأزياء، ولكنها جعلت من نفسها حارسة أمينة على إرث ثمين لا بد أن يعبر الجسر للعالمية، معرفاً بنفسه وناطقاً باسم دولة الإمارات التي عاشت نهضة تنموية على جميع الصعد، شهد لها القاصي والداني، رافقتها تحولات نوعية في مسيرة المرأة الإماراتية في شتى مجالات الحياة، ومن هنا، كان لا بد أن تقوم بدورها الفعال والمؤثر.

تقول الهاجسي: «المرأة الإماراتية، بوجه عام، تعيش اليوم حياة عصرية بنكهة الأصالة الخالصة، لأنهن يجدن التشبث بالتقاليد والعادات المتوارثة جيلاً بعد جيل للوقوف في وجه العولمة، والتي غزت العالم من دون استئذان، وغيرت شكل كثير من الدول، وأثرت في سلوك وعادات كثير من شعوب العالم دون استثناء. وتتجسد أشكال التراث الإماراتي في كل الممارسات اليومية، سواء في المجالس والأماكن العامة أو الخاصة أو المنازل، وما يتم فيها من سلوك، مثل حسن استقبال الضيف والزائر، وطريقة المأكل أو الملبس، وتسير هذه الأشكال جنباً إلى جنب مع وسائل الراحة والتكنولوجيا العصرية التي تعيش في كنفها الإماراتيات اللاتي أدركن أن المستقبل لا يمكن أن يكون ذا صبغة إماراتية خالصة، ما لم يكن من وحي تاريخهن العريق».

هوية إماراتية
الهاجسي التي تعمل موظفة حكومية، وتمارس هوايتها في عرض الأزياء التراثية في المساء، بالتنسيق مع مصممات الأزياء الإماراتيات، ترى أن دورها كعارضة أولى للأزياء، ينطلق من وعيها الكامل بثقافة وطنها، وإدراكها الكامل للمخاطر التي تواجه أصالة هذه الثقافة، وحفظها في عالم يتغير بشكل مستمر، وبشكل يهدد الهوية التراثية للشعوب، لذا، تحرص من خلال عملها بالقرب من المصممات الإماراتيات المهتمات بهذا الشأن، على حماية وحفظ وتشجيع التصاميم المعنية بالمورث الغني لأزياء في الإمارات، وتؤكد أن خطوتها غير المسبوقة، كأول فتاة إماراتية تمتهن عرض الأزياء، لها العديد من الأهداف والأبعاد، أبرزها جمع ما يمكن جمعه من معلومات ودراسات حول الملابس التقليدية، بالتعاون مع المصممات الإماراتيات، والاستفادة من الإبداعات التقليدية والإرث الفني لمكونات الملابس التقليدية من مواد وأشكال فنية وتراثية، وتوظيفه لخلق ملابس جديدة مرتبطة بالعادات والتقاليد.

وتوضح: «أرتدي ثوب جداتنا، وأتزين بحلي أمهاتنا، وأعبر عن مصممات عربيات وخليجيات انتمين لهذا الفن المعاصر، ضمن تقاليد البنت الخليجية، والثقافة المحلية المحتشمة، وفعلياً، فإنني أطمح لأن أكون سفيرةً فنية لبلادي، ولن أتنازل عن البعد الجمالي في أن أتخذ من حضوري الإعلامي مشهداً نحو تأصيل معاني الموروث المجتمعي، بمزيج معاصر، يؤمن بالأناقة والذائقة المحلية والعربية عنواناً لفن الأزياء، وتجسيداً لفتاة الإمارات وواقعها المتجدد، الذي يتيح لها المزيد من الإبداع الفني، ضمن سياق أطر بيئتها المجتمعية، للتعريف بجماليات الأزياء التقليدية في جوانب تشكيلها، وتشجيع الجيل الجديد من المصممات الشابات للاستفادة من القطع والنقوشات التراثية للملابس الشعبية قديماً، مع خلق إبداعات جديدة متواصلة مع النقوش والتصميمات القديمة، لغرض خلق قطع إبداعية حديثة ممتزجة بالماضي والحاضر، وتشجيع الاستثمار في مجال الأزياء التقليدية، سواء من قبل الدولة أو المؤسسات الخاصة. وغير ذلك من الأهداف السامية الأخرى».

خطوط حمراء
من جانب آخر، تؤكد الهاجسي أنه لا بد من إعادة النظر والفهم العميق والعادل لمهنتها كعارضة، في ظل انفتاح المجتمع المحلي، لأنها تتخذ من قيم المجتمع وتقاليده طريقاً لانتقاء العروض والأعمال، دون أن تحيد عن الصواب في ما يتعلق بالعادات والتقاليد، وهي بذلك توجه عتاباً لكل من انتقدها وادعى تجاوزها للخطوط الحمراء، وقفزت خارج أسوار البيت الإماراتي المحافظ من وجهة نظره، وتقول: «إننا نحتاج اليوم إلى إعادة النظر في معاني الفنون في بيئتنا العربية، ولسنا هنا لإقناع المجتمع بالقبول أو الرفض، ولكن بالتفكير في آلية عملي في هذا المجال من جهة، وهدفي الأساسي من عرض الأزياء الإماراتية والخليجية من جهة أخرى، فإنه ليس من المعقول، على سبيل المثال، أن تعرض (العباية) عارضة أجنبية!»، لافتةً إلى أن مفهوم الأزياء ليست فكرة (بزنس) فقط، ولكنها ثقافة عريقة يفخر كل بلد بوجودها.

أما في ما يتعلق بتعاونها مع المصممات الإماراتيات من أجل إحياء الأزياء التراثية، فتعتقد الهاجسي أن الكثير منهن حرصن على ذلك مثلها تماماً، ويحاولن بكل السبل الممكنة إعادة موضة القديم المتجدد من خزانة الجدات، من خلال العديد من الأفكار الخلاقة والمبدعة التي تلفت انتباه فتيات الجيل، أو حتى اللاتي ربما ليس لديهن أدنى فكرة ربما عن شكل أو مسميات الزي الوطني وأشكاله وخامته المتعددة، ومنها، على سبيل المثال، ثوب (النشل)، وهو ثوب واسع يلبس في المناسبات، كحفلات العرس والأعياد، وثوب (النقدة)، وكلمة نقدة تعني وزن الفضة قديماً، وقد سمي الثوب بهذا الاسم نسبةً إلى تطريزه بقطع الفضة أو خيوط الفضة التي كانت تباع وزناً، ويعمل من قماش متخلخل النسيج يسمى (تول ناعم)، ومن الثياب التقليدية الأخرى ثوب (ميرح)، وهو تخريج الثوب بلون آخر من أقمشة أخرى تخاط مع بعضها.

مهمة وطنية
حول إطلالتها في مجلة «أرى»، احتفالاً باليوم الوطني 43، تقول الهاجسي: «تشرفت بذلك جداً، وأنا ممتنة لجميع فريق المجلة، وللمصممة فريال البستكي صاحبة اللمسة الساحرة والأنيقة، لقد منحت اليوم الفرصة أن أكون جزءاً من مهمة وطنية احتفالية عبقة بروح الاتحاد، كما أشعر بالفخر والاعتزاز لمساهمتي في التعريف بتقاليد الأزياء النسائية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن الجميع، كذلك أود أن أهنئ جميع الإماراتيين، وشيوخنا الكرام الذين أعطوا لهذه البلد كثيراً، وشعبنا الجميل، وكذلك المقيمين في هذه الدولة، لأنهم ساعدونا في بنائها، ويحضرني دائماً الشيخ زايد، يرحمه الله، فقد سعى لبناء دولة حديثة، سنظل متمسكين ومحافظين عليها إلى الأبد، فقد مررنا بفضله، طيب الله ثراه، بمرحلة تغير ثقافي واجتماعي سريع، انعكس على وضعنا تحديداً كنساء، حيث تغيرت مواقعنا تدريجياً في المجتمع، واختلفت علاقتنا بالرجل، ووضعنا في الأسرة، ومع أن هذا التغير لم يرصد نتائجه بعد بجدية تامة، نظراً لأنه يتوقف عليه مدى نجاح المجتمع في تحقيق أهدافه والوصول لنتائج ملموسة، من ضمنها تحقيق حياة أفضل للمرأة فيه، وبالتالي، بناء أسرة على أسس صحيحة».