النكات بين الأزواج كوميديا منزوعة الدسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الصعب أن تستمر الحياة الزوجية على وتيرة الروتين والجمود الملل، فهذا من شأنه أن ينشئ جواً من المشاعر الجامدة. ولا بأس من إشاعة بيئة من البهجة والمرح بين الزوجين، وقد يكون أقلها سرد النكت التي تدخل السرور إلى القلب.

ولكن هذا الأمر ليس مضموناً دائماً، فقد يلقي أحد الطرفين نكتة على مسامع الآخر يكون هدفه من ورائها النقد والتجريح وربما الاستهزاء، وهو ما اشتكت منه بعض الزوجات أخيراً، وأصر بعضهن أن يرد الصاع صاعين، مما أجج الخلاف وبات الجو مشحون بالغيظ والمشاكل.

آدم: رسائل غير مباشرة
يرى حسن البلوشي، موظف، بأن الزوج عندما يطلق النكت على زوجته، لا يقصدها بالذات، وإنما يقصد لفت نظرها للاهتمام بنفسها أولاً، وطريقتها في التعامل مع زوجها وأفراد أسرتها. ويؤكد البلوشي على أن النكت ما هي إلا رسائل مشفرة للمرأة. متمنياً أن يرى نساء يجارين الرجال في صناعة النكتة، وحبكها، فهي تحتاج لمهارة عالية، وبالتأكيد أن المرأة حينما تصنع النكتة ستكون أكثر مهارةً ودقة من الرجل بحكم اهتمامها بالتفاصيل.

يتساءل أحمد الزعب، موظف، كيف لنكتة أن تؤدي مفعولاً عكسياً، ويقول: «لماذا نعكر صفو حياتنا الزوجية من خلال نكت تحمل في مضمونها السخرية من الشريك؟ بدلاً من أن تكون النكتة تدعو للمرح بين الزوجين، وهي المقياس الحقيقي لمدى سعادتهما، ومدى متانة علاقتهما الزوجية، فالمرح يوفر لهما أجواءً من الحميمية والاسترخاء اللذين يعملان على تقوية هذه العلاقة».

لاحظ عبدالله محمد سعيد، متقاعد، أثناء تصفحه لبعض مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من النكت «القاسية» من الجنس الناعم والموجهة ضد الرجال!، يقول في هذا الصدد: «أرى بأنها ردود على الاتهامات المغرضة التي يوجهها الرجال، حيث يقارنوهن بغيرهن من النساء من جنسيات عربية أو غربية، وذلك بأسلوب ساخر! ولا أبالغ إن قلت إن الأزواج يستخدمون النكتة للسخرية من أوضاع الزوجة النفسية والاجتماعية. وغالباً ما تطاول النكتة طريقتهن في التعامل مع الزوج والأبناء، مما يثير غضب الزوجات عموماً».

كما يؤكد عيسى بطي آل علي، أعمال حرة، على أن النكت التي تقال بحق الزوجات في مكانها، وكونها جاءت مقارنةً بنساء دول أخرى وذلك لكثرة الزواج من هذه الدول، ويوضح: «بتنا نسمع من المتزوجين كيف يعيشون في نعيم بسبب الرعاية والدلال اللذين يحظيان بهما من زوجاتهم، وهذه الأوضاع أشعلت الغيظ في نفوس بعض الأزواج، مما جعلهم يعبرون عن غيظهم بهذه النكت التي تستهزئ نوعاً ما بزوجاتهم».

ليث عبدالقادر، موظف، يقول: «أحب إلقاء النكت على مسامع زوجتي، ولا أقصد إزعاجها أو إهانتها، بل أريد ممازحتها وأحياناً تنبيهها على أمور قد تفوت عليها، وبطريقة مرحة». ويشير إلى أن زوجته لا تستظرف نكته، وتراها جارحة في بعض الأحيان، كونها لا تحب من ينتقدها حتى لو من باب المزاح، بينما هو يأخذ المسألة بمرح، وعندما يسمع نكتاً منها عنه يتقبلها بروح رياضية، ويتفاعل معها، وقد يحسّنها، فالمسألة مجرد مزاح وترفيه.

حواء: لا نقبل ما يقلل من شأننا
«تمادى الشباب والمتزوجون في تأليف النكت عن النساء، وخاصةً المتزوجات منهن، فباتوا يسخرون من كل شيء مثل الجمال، والموضة، والعاطفة». توضح رحمة آل جبرية، موظفة. وتضيف: «أستغرب من المستوى الفكري الذي وصل إليه البعض من الرجال حينما يتداولون النكت عن المرأة الخليجية والعربية عموماً، وتحديداً في جانب الجمال، وأنها أقل من غيرها، وهذا طبعاً ليس صحيحاً على الإطلاق، لأن موضوع الجمال نسبي. وللأسف فإن هؤلاء الرجال (العباقرة في التنكيت) لم يفكروا أن من يتندرون عليهن يدخل معهن أخواتهن وأمهاتهن وبناتهن وغيرهن، فكيف يصفونهن مثلاً بالهمجية والتخلف الذي تذكره هذه النكت؟! أنه أمر مؤسف فعلاً».

تؤكد شيرين العوضي، موظفة، أن معظم النكات التي يتبادلها الأزواج تحوي في مضمونها الانتقاص من جمال المرأة وعاداتها وتقاليدها الأصيلة، ومقارنتها بغيرها من الزوجات الأجنبيات، ويتأكد ذلك من دعواتهم المتكررة بالزواج من الخارج، دون مراعاة النتائج السلبية المترتبة على مثل هذا النوع من التفكير.

شهلاء محسن محمد، ربة بيت، تقول: «إن النكت في حد ذاتها لا غبار عليها حتى وإن كانت بمعلومات غير صحيحة، فليس المقصود منها الكذب وإنما المبالغة بقصد الفكاهة، وهي خصائص النكتة، ولكن المزعج في نكت بعض الأزواج أنها تدور في المقارنة مع نساء دول أخرى! علماً أن الواقع يؤكد أن معظم رجال العالم لا يرون محاسن زوجاتهم وجمالهن». وتضيف: «حينها بدأت بتقليد بعض النساء اللاتي يظهرن على الشاشة، ويثرن إعجاب زوجي من ناحية الشكل والملبس والكلام والتصرفات، والغريب بأن زوجي لم يتحمل تغيري وملاطفتي له، وبت على يقين تام بأن هذا الزوج لا يعرف ماذا يريد بالضبط؟».

«الزوج أكثر مهارةً في صنع النكتة، وأكثر إجادة في وضع الكلمات والجمل المضحكة، وهناك زوجات لديهن هذه القدرة ولكن مقارنةً بالأزواج يعتبر عددهن قليل، لذا فنكت الرجل ملفتة أكثر من نكت المرأة وذو وقع أشد». تشير هدى حميد المري، ربة بيت. وتضيف: «قد تجعل النكت العلاقة بين الزوجين أكثر أريحية، وتسهم في تحسين كثير من السلوكيات، وهي وسيلة جيدة وخفيفة للفت الأنظار على بعض السلوكيات التي تحتاج إلى تعديل».

نرجس محمد حسن، موظفة، تقول: «الأزواج أكثر تنكيتاً على النساء، بحكم تكوين الرجل الذي يميل للفكاهة أكثر من المرأة، لذا أتصور أن نكت الأزواج التي تدور في الغالب حول مقارنتها بنساء دول أخرى دافعه رغبة داخلية في نفس الزوج لتغيير زوجته، لذا يسلط (سيف النكتة) على المرأة، ويتهمها بجفاف الطبع أو التقليدية في التعامل وغيرها من الأمور، وهو بصناعة هذه النكت يعطي لنفسه الحق في النظر إلى غيرها أو الزواج بأخرى».

للنكتة أهميتها
«إن العلاقة الزوجية أشبه بشجرة باسقة تتدلى منها مئات الفروع والأغصان، ابتداءً من الالتزام بهذه العلاقة وانتهاءً بضرورة وأهمية التواصل بين الزوجين، وبين هذه وتلك تنضوي المئات من الالتزامات الصغيرة والكبيرة، لكن الأكثر أهمية بينها كلها قدرة الزوجين على قضاء أطول وقت ممكن مع بعضهما في أجواء مرحة بعيداً عن الرسميات». تقول الاستشارية الأسرية حياة العبدالله.

وتضيف: «النكتة نقد للواقع بالفكاهة والمرح، وهي سخرية أيضاً من الواقع ومحاولة تعديله وتحسينه، من خلال تمرير مطالب واحتياجات الرجل من المرأة، وهي كذلك تستطيع أن توصل رسائلها بأسلوب شيق. ودعوني هنا أتحدث بشكل خاص عن المرأة، ليس من باب الدفاع عنها، ولكن كونها أكثر من يُعلق عليها في النكت، كما أنها تتعامل مع الموقف بحساسية، ولها حق في ذلك، حيث إن بعض العبارات تتجاوز الأدب ورقي الكلمة، خاصةً ما يقال إن النكتة زادت من نسبة العنوسة لدينا، أو توجه الرجل للزواج من الخارج».

وتردف: «تمثل النكتة في نهاية المطاف متنفساً معقولاً لابد منه في ظل زحمة الحياة الصعبة المملة وتعقيداتها التي تفرز في كل يوم وسيلة اتصال أسرع وأقوى وأدق، بيد أنه لا بد من التذكير أيضاً إلى أنّ الولوج كثيراً في الإيحاءات الزوجية للنكتة قد يأتي بعكس ما يراد منها، فتتحول من وسيلة للإمتاع والضحك إلى أداة جارحة للمشاعر».

صمغ سحري
يقول العارفون من الخبراء والمتخصصين في علم النفس: «إن روح المرح والدعابة هي (الصمغ السحري) الذي يربط بين روحين، فعندما لا يعود للمرح والدعابة مكان في حياة الزوجين، فهذا معناه أن معنى المحبة قد تلاشى أو في طريق التلاشي، وباتت حياتهما الزوجية تتجه نحو الخلافات والصدام». لكن خبراء الأسرة يحذرون أيضاً، من الخلط بين روح والدعابة والنكتة من جهة، والسخرية أو الاستهزاء من جهة أخرى، لأن البعض وبكل أسف يمارس هواية اللعب بالكلمات وغير ذلك من التصرفات الخاطئة والقاتلة بحجة المزاح.

 

Email