حكاية حلم.. جوهرة..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في يوم مختلف، باغتت فيه رياح ساخنة أرجاء ولاية ميناس غرياس البرازيلية، وقف يترقب قدوم القطار المقبل من بعيد، لم يكن يعرف، من أين يأتي هذا القطار، ولا إلى أين يتجه أو يستقر، كل ما يدركه ويشد انتباهه، أن هذه العربات الحديدية المتوالية، تسير في انسيابية فوق قضبان صلبة، عبر منحنيات تجعله يبدو في ظلال الرؤى، يتلوى كثعبان يزحف على الأرض.

القطار التاريخي، الذي انطلق في أول رحلاته عام 1884 من مدينة كروزيرو في ساو باولو، ليمر بجبال مانتيغويرا عبر عدد من المدن والبلدات القابعة في جنوب ولاية ميناس غرياس، ويستقر بعد مسيرته في بلدية تريس كوراسويس، أقصى جنوب الولاية، وهي البلدة التي شهدت مولده وطفولته، ولعب في أزقتها، بكرة كان يصنعها مع الرفاق من الجوارب القديمة.

من تحرك القطار الزاحف، ولِدَ حلمه الكبير، واستوحى تحركاته بكرة القدم، فكان يركض يميناً ويساراً، فلا يستطيع منافس أن يستحوذ منه عليها.. لم يعبأ كثيراً بما سمعه من أبيه، أنه أطلق عليه، عند مولده، اسم «إيدسون أرانتيس دو ناسيمينتو»، تيمناً بالعالم الأمريكي توماس إيديسون، الذي طور جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي، واخترع المصباح الكهربائي، لعله يسيرعلى دربه في الاختراعات، لكنه قرر أن يكون مخترعاً في الكرة، مبتعداًعن حلم الأب في أن يصبح عالماً، بيد أنه انتهج نفس مسلكه بالوراثة، حيث كان والده، لاعب كرة قدم في نادي فلومينيزي.

في منتصف القرن العشرين، كان قد بلغ العاشرة، وعاش طفولة فقيرة عندما انتقل مع عائلته إلى مدينة «بورو»، وزاد من بؤسه أن المدرسة الابتدائية التي التحق بها، طردته بعد أن لكم زميلاً له كان يسخر منه، كلما تلعثم في نطق اسم حارس مرمى نادي ‏فاسكو دي غاما، الملقب بـ «بيلي»، ولهذا كان يناديه زميله هذا بهذا الاسم، على سبيل السخرية.

غير أن هذا الاسم الذي كرهه في البداية، التصق به، وكان هو مصدر بريقه، لاسيما بعد أن انضم إلى فريق شباب كان يدربه «والديمار دي بريتو»، أحد نجوم البرازيل السابقين، واستطاع هذا المدرب إقناع عائلة الفتى باللعب لنادي سانتوس وهو في الخامسة عشرة، وتم تصعيده للفريق الأول قبل بلوغ السادسة عشرة، ليصبح هداف الدوري في موسمه الأول، وينضم إلى منتخب بلاده.

بزغ اسمه في كأس العالم 1958 بالسويد، ليستمر مع الشهرة والمجد الكروي، على مدار عقدين من الزمن، محققاً كل الأرقام الفلكية في كرة القدم، ويصبح هو من هو.

إنه الجوهرة السوداء..«بيليه».

Email