حكاية حلم

صافرة الحسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان في السادسة من عمره، عندما أدرك للمرة الأولى أن طقوسه التي اعتاد عليها وهو يلهو مع رفاق الطفولة، تحت ظلال بيوت الشندغة في دبي، ستختلف عما كانت عليه من قبل، إنه اليوم الأول الذي استيقظ فيه مبكراً، ليتجهز قبل أن يتجه إلى مدرسة الشعب الابتدائية، يوم مختلف لغلام تبرق في عينيه لمعة الذكاء الفطري، يوم مختلف انتقل فيه من اللا مسؤولية إلى شيء من الحياة النظامية الاعتيادية، لتلميذ يبحث عن التميز ويحلم بنجومية مجهولة لا يعلمها.

في يومه الدراسي الأول.. شاهد من هم أكبر منه يلعبون الكرة قبل طابور الصباح، في فناء المدرسة الفسيح، ينشرون غباراً مصحوباً بضجيج الصيحات، ومناداة بعضهم لبعض.. في لحظة استمع إلى صوت الصافرة، ومعها دب النظام في الفناء واصطف الجميع، والتزم الجميع بتعليمات مدرس التربية الرياضية، فاصطفوا في قطارات متناسقة قبل التحرك إلى الفصول.

أعجبه صوت الصافرة، أيقن أنها ليست مجرد أداة صغيرة تطلق صوتاً يشبه صوت الطيور، بل تحسم المواقف وتنهي الجدل، وتحقق المراد دون نبس الكلمات.

عقب عودته من المدرسة ظلت صورة المدرس بصافرته السوداء المتدلية من عنقه ترتسم أمام عينيه.. فكانت حلمه الذي كان.

مرت الأيام ومعها اشتد عوده، فاصطحبه شقيقاه إلى نادي النصر مثل معظم أبناء الشندغة، وهناك بدأ التدرج مع فرق الناشئين، ثم انتقل إلى مدرسة عبد الناصر الثانوية في بر دبي، وفيها لعب في دوري الفصول، بجانب تحكيم المباريات، بعد أن لاحظ المدرسون قوة شخصيته وصرامته.

في طريق الحلم، أدرك بذكائه مبكراً أنه لن يصل إلى حلم العالمية كلاعب، وإنما من خلال حلم طفولته، بحمل الصافرة.. اتجه وهو لاعب في نادي النصر إلى دراسات التحكيم، وبدأ التحكيم 1984، بإدارة مباريات الناشئين، ولفت الأنظار بقراراته الجريئة العادلة وصافراته الحاسمة، فوضع قدمه على طريق الحلم ونال الشارة الدولية 1987، لينطلق نحو العالمية، فبات اسماً بارزاً، في البطولات الدولية والقارية، وأصبح ثالث ثلاثة شاركوا في 3 مونديالات، بجانب جمال الشريف والفرنسي كينيو، كما أنه الحكم الوحيد الذي أدار مباريات في «‏الست قارات»..

الأمم الأفريقية، والآسيوية، ‏و‏الأمريكية الشمالية والوسطى، ودورة برشلونة الأولمبية ٩٢، ومونديال الشباب ‏‏٩١ بالبرتغال، ونهائي كأس الأندية الآسيوية، ومثلها للأندية ‏العربية، ثم اعتزل للإصابة 2002، بعد أن حقق حلمه الكبير.. أصبح بالفعل عالمياً.

إنه النجم علي محمد بوجسيم، أبرز حكام الكرة في العالم.

 

 

Email