من بعيد

من التحرير إلى بورسعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدمع فى العيون والشجن والحزن يعتصر القلوب عند متابعة تشييع ضحايا مباراة كرة القدم فى بورسعيد والتى تسجل ضمن أسوأ الكوارث الرياضية فى العالم وليس فى وطننا الغالي المغلوب على أمره ، ولا يمكن وصف المشاعر التى تجتاح عائلات المشجعين الذين لقوا حتفهم فى ملعب رياضي ، فالخسارة فادحة بل جسيمة رحم الله الشباب الواعد وغفر لهم ليدخلوا جناته باذنه ياأرحم الراحمين.

تداعيات جريمة بورسعيد مازالت مستمرة وتتصاعد يوما بعد يوم سواء بمشاعر حزينة صادقة أو بمشاعر ذات أغراض دنيئة تستهدف إشعال الحرائق فى قلب هذا الوطن ، ويجب على الجميع أن يشعر بالقلق والخوف على مصر بعد أن سيطرت مشاعر الكراهية والانتقام على قلوب قسم من أبنائها لمجرد الاختلاف فى الرأي أيا كانت القضية محل الخلاف .

وفى ظني أن كارثة بورسعيد تعكس أمرا لا يجوز أن نغفله وهو تفشي روح العدوانية والعنف بلا حدود فى ظل غياب الرادع الأمني المرتعد والذي لايجد الدعم والمساندة من جانب الدولة والإعلام الفاضح ، ويخالجني شعور جارف أن الصراع الدائر فى ميدان التحرير بكل ما فيه من وطنية نقية ، وانتهازية مفضوحة ، انتقل الى ستاد بورسعيد ولكنه تحول الى هجوم من طرف بشكل مباغت على طرف آخر أسفر عن سقوط أبناء أعزاء من أعلى المدرجات بفعل فاعل.

وبعيدا عن المحاولات المحمومة لتسييس الحادث المفجع وإلقاء الاتهامات على شماعات بالية ليست بذات قيمة فى عهد يتغير ويتبدل ويتشكل من جديد ، أتصور أن ظاهرة الألتراس التى نشأت منذ 6 أعوام فقط تلعب دورا بالغ السوء فى تحويل الملاعب الرياضية الى ساحات للفتنة وتبادل الاتهامات وإظهار القوة من خلال إشعال الحرائق ولافتات دنيئة تستفز الطرف الآخر ، حدث ذلك قبل الثورة على استحياء فى مباريات محدودة من بينها الاهلي والاسماعيلي قبل أربع سنوات ، لكنها تفشت مع اندلاع الثورة وتقلص الغطاء الأمني .

الالتراس لعب دورا فى نقل صراع التحرير الى الملاعب الرياضية ونتذكر صدام المشجعين مع الشرطة فى مباراة الاهلي مع كيما اسوان وانتقاله الى التحرير وشارع محمد محمود والقصر العيني ، وظهور أعلام الاهلي والزمالك فى التظاهرات والاعتصامات واستخدامهم للفيسبوك فى توجيه الشتائم والسخرية من الأندية المنافسة .

وترهيب مشجعيها واستعراض القوة فى التشجيع بالمدرجات بوسائل ذات كلفة مالية عالية مجهولة المصادر ، وهذا بالضبط ما حدث قبل مباراة بورسعيد عندما وجه مشجعو الأهلي بيانات تسخر من أبناء بورسعيد ، قوبلت بتهديد بالموت من مشجعي المصري ، فى مناخ بعيد كل البعد عن الرياضة وتقاليدها الراسخة.

ليس تقليلا من فداحة الكارثة أقول إن ظاهرة الالتراس تعكس التركيبة الدخيلة على الانسان المصري الذي كان معروفا عنه التسامح والمحبة ، لكنه تحول الى العدوانية وكراهية من يختلف معه فى الرأي ، واعترف أن هذه التركيبة بدت واضحة قبل الثورة مع ازدياد مشاعر الإحباط بين الشباب وأبناء العشوائيات لكنها أصبحت متفشية بلا رادع وتخيف كل من يعيش فى أحضان هذه الأرض الطيبة الحانية .

حادث بورسعيد إفراز ونتاج طبيعي للشحن الإعلامي الذي ساهم فى تشويه الحقائق وجعل الجناة أبطالا دون وجه حق.

Email