الأكاديميات.. سرّ فجوة الشرق والغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبلغ عدد سكان آسيا 4,462 مليارات نسمة أي ما يعادل أكثر من 60% من سكان العالم لكنها لا تحصل إلا على 4 مقاعد ونصف مقعد في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بسبب ضعف المستوى الفني لمنتخباتها الوطنية وعدم وصولها إلى مستويات الكرة الأوروبية وأمريكا الجنوبية.

في السنوات الأخيرة، بدأت آسيا تبحث عن مكانة أكبر لها في الساحة الكروية العالمية عبر تطوير اللعبة من خلال إنشاء الأكاديميات وتطوير العمل في قطاع الناشئين إلا أن هذه الخطوة ما زالت متباينة بين منطقتي الشرق والغرب.

وقد كشفت النسخة الحالية لنهائيات كأس أمم آسيا حجم الفروق الكبيرة التي صنعتها أكاديميات كرة القدم في القارة الصفراء على مستوى المنتخبات الوطنية وخاصة بين منطقتي الشرق والغرب، فالدول التي اهتمت بإنشاء الأكاديميات وبصقل المواهب بدأت تشهد نقلة نوعية في نتائجها في البطولات القارية، آخرها منتخب فيتنام الذي بلغ ربع النهائي بجيل من اللاعبين معدل أعمارهم لم يتجاوز 23 عاماً، وجميعهم من خريجي أكاديميات الكرة التي تتم إدارتها من قبل فنيين من بريطانيا وكوريا الجنوبية، كما نجح منتخب الهند صاحب ثالث أصغر معدل أعمار في البطولة بعد فيتنام والعراق في خطف الأنظار إليه.

وأصبحت آسيا وجهة مفضلة لأكبر الأندية في العالم للاستثمار في فتح الأكاديميات مثل برشلونة وريال مديد وأتلتيكو مدريد ويوفنتوس وأياكس أمستردام الهولندي وغيرها من الأندية الأوروبية.

تجربة فريدة

وتعد اليابان تجربة فريدة من نوعها في آسيا على صعيد الاهتمام بتكوين اللاعبين في سن متقدمة، حيث رسمت لنفسها نموذجاً جيداً للارتقاء باللعبة وأصبحت من أقوى الدول الآسيوية وبات دوريها المحلي من أكثر الدوريات في القارة الصفراء تصديراً للاعبين إلى أوروبا بعد أن وضعت خطة طويلة المدى للنهوض باللعبة في المدارس.

وتعتمد استراتيجية الاتحاد الياباني لتطوير اللعبة على هدف محدد وهو رفع مستوى اللعبة والترويج لنشرها عن طريق برنامج كرة القدم للمحترفين ودعم تنمية الثقافة الرياضية اليابانية بهدف صناعة جيل من اللاعبين المميزين على المستوى الدولي من خلال برنامج أكاديمية الدوري الياباني الذي يعكس أسلوب المدرسة اليابانية.

كما تهدف أكاديمية الكرة في اليابان إلى تشجيع التطور الاجتماعي والعاطفي للاعبين الصغار حيث تقوم بتدريس الأطفال ابتداء من سن ما قبل المدرسة من خلال اللعب وكيفية الاستمتاع بالرياضة والتدريب.

برامج تدريب

وتقدم الأكاديمية برامج التدريب والتعليم الموجهة والتي تتناسب مع الفئات العمرية ابتداء من 5 سنوات إلى سن الحادية والعشرين حيث تم اختيار هيئة استشارية في مجالات مهنية مختلفة لتقديم الاستشارة للأكاديميات والأندية اليابانية التي تتوافر لديها المعايير المحددة والتي يعتمدها الدوري الياباني كمراكز للتطوير والتدريب.

الاهتمام بكرة القدم في مراحل متقدمة منح اليابان الأفضلية على مستوى التأهل إلى نهائيات كأس العالم، كما أصبحت أحد أفضل منتخبات القارة في العقدين الأخيرين.

من جهتها نجحت كوريا الجنوبية في خلق أجيال متعاقبة من اللاعبين المميزين، وبالرغم من ابتعادها عن اللقب الآسيوي أكثر من 5 عقود إلا أن تجاربها في تطوير كرة القدم تدرّس، وهي الدولة الآسيوية الوحيدة التي وصلت إلى قبل نهائي كأس العالم لكرة القدم.

وفي السنوات الـ59 الماضية، وصلت كوريا الجنوبية إلى قبل نهائي كأس آسيا في ثماني مناسبات والنهائي في أربع، لكن بقيت الكأس الأكثر شهرة في آسيا بعيدة المنال طوال هذه المدة.

نقطة تحول

وشكل صعود كوريا الشمالية إلى مونديال 2010 بجنوب إفريقيا نقطة تحول في كرة القدم رغم أنها لم تتخط الدور الأول بسبب وجودها في مجموعة حديدية إلى جانب البرازيل وكوت ديفوار والبرتغال، وبدأت حينها وضع برامج لتطوير اللعبة على الصعيد المحلي فأطلقت في 2013 أكاديمية بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم ووضعت استراتيجية تدريبية باستطاعتها الارتقاء بمستوى اللاعبين لتصل بهم إلى مستوى يجعلهم ينافسون أفضل لاعبي العالم وعلى رأسهم ميسي، والهينة على آسيا كروياً.

كما قامت الهند بإنشاء أول أكاديمية في 2004 قبل أن تبدأ في 2012 بتنفيذ برنامج وطني لتطوير كرة القدم بإطلاق عدد من الأكاديميات في جوا وكولكاتا بإدارة مدربين أجانب وذلك بناء على توصية البريطاني بوب هاوتون المدرب السابق للمنتخب الهندي الذي دعا اتحاد كرة القدم للقيام بخطوة جريئة لتطوير اللعبة في الهند، وهو ما أثمر منتخباً شاباً فاجأ المتابعين للبطولة بمستواه الجيد وهو بداية حصاد السياسة التطويرية للكرة الهندية.

طموح وطني

من جهتها، جعلت الصين من كرة القدم «طموحاً وطنياً» وهدفاً استراتيجياً للحكومة، التي وضعت العديد من البرامج والخطط مثل إجبارية نشر اللعبة في المدارس والجامعات، وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في اللعبة منذ 5 سنوات ووضعت استضافة نهائيات كأس العالم 2034 من ضمن أهدافها الاستراتيجية.وخلال السنوات الأخيرة، قامت الحكومة الصينية بإنشاء الآلاف من ملاعب كرة القدم وتعتزم إنشاء 50 ألف مدرسة لكرة القدم بحول عام 2025، على أن تقوم كل مدرسة بتدريب ألف لاعب حتى تصبح قوة عظمى في كرة القدم من خلال انتقاء أفضل الموهوبين.

وتتضمن الخطة الاستراتيجية للصين الوصول إلى 50 مليون لاعب بحلول عام 2020 وبناء 70 ألف ملعب كرة قدم وإنشاء 20 ألف مركز تدريب لاحتضان المواهب المميزين.

وتعد أكاديمية ايفرغراند الصينية التابعة لفريق غوانزهو أكبر أكاديمية كرة قدم في العالم، وتحمل على عاتقها مسؤولية تحويل هذا الفريق إلى قوة ضاربة في القارة الصفراء وتطوير اللعبة في الصين.

حلم الصغار

يحمل لاعب مثـل يون 13 عاماً وهو أحد 2500 لاعب، الذين تركوا عائلاتهم للإقامة بأكاديمية ايفرغلاند، آمال الارتقاء بكرة القدم في الصين وجعلها واحدة من أكثر الدول تطوراً في عالم الساحرة المستديرة، وقال يون، الذي يعد أن البرتغالي كريستيانو رونالدو مثله الأعلى: أحلم أن أصبح نجماً في لعبة كرة القدم، التي بدأت شعبيتها تزداد في الصين في السنوات الأخيرة.

وأضاف: الحياة داخل الأكاديمية ليست سهلة، عليّ أن أقوم بغسل ملابسي، وترتيب الفراش، ولكن الحلم، الذي أسعى لتحقيقه يستحق كل هذه التضحيات، أعشق كرة القدم وأريد أن أمارسها بشكل يومي.

Email