ياسين الغربي: أطارد أحلامي وسط المِحن

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نشأ في عائلة متواضعة وعاش طفولة هادئة قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب بتعرّضه لحادث قطار في 2009، عندما كان عمره 19 عاماً. لم يعلم ياسين الغربي، البطل التونسي ماذا حصل له إلا بعدما أن استفاق من غيبوبته في المستشفى، حيث فوجئ ببتر ساقيه، فأصيب بصدمة نفسية، دخل على أثرها في عزلة تامة، وتغيرت نظرته إلى الحياة وفقد الأمل بسبب محنته، أصبح يشعر بالخجل، وتحوّل من شاب طامح إلى إنسان يائس.

توقف عن الدراسة وعن ممارسة رياضة رفع الأثقال، مع الوقت استنهض طوحه الخامل، واستنفر طاقاته، وحاول أن يتحدى نفسه، للخروج من واقعه المرّ، إذ لم يكن من السهل عليه تقبّل الحياة الجديدة بساقين مبتورتين.

بدأ يخرج رويداً من عزلته، بفضل احتكاكه بعدد من ذوي الاحتياجات الخاصة في مركز التأهيل، اكتشف أن حلمه بأن يصبح رياضياً متميزاً مازال قائماً، وأن بإمكانه التسجيل باتحاد رياضة المعاقين واختيار الرياضة التي تتلاءم معه.

بعد 12 شهراً عن الحادث، بدأ ياسين التدريب على سباق الكراسي المتحركة، تغيرت نظرته للحياة، واستعاد جانباً من الأمل المفقود، عاد لممارسة الرياضة ولو بشكل مختلف هذه المرة.

قال عن تلك الفترة: «شعرت باليأس والفراغ في لحظات كثيرة ولكن الرياضة ملأت سريعاً هذا الفراغ، تركت كل شيء وتفرغت للتدريب، واخترت التخصّص في فئة (تي 54)؛ لأنها صعبة وتحتاج إلى قوة عضلات اليد، وتذكّرني بالرياضة التي كنت أمارسها قبل بتر قدميّ (رفع الاثقال)».

يقطع ياسين مسافة 70 كلم يومياً على دراجة نارية غير مهيأة لذوي الاحتياجات الخاصة مبتوري القدمين من أجل الوصول إلى ملعب التدريبات، ليس من السهل استخدام المواصلات العامة بسبب ظروفه الصحية، وإمكاناته المادية لا تسمح له باستخدام سيارة أجرة، وبما أن الاتحاد لا يُخصص حافلة لنقل الرياضيين وجد ياسين الحل في استخدام دراجته النارية، التي يقودها شتاءً وصيفاً.

التقينا ياسين في يوم ممطر أمام ملعب التدريب، كانت ثيابه مبللة، قال إنه يعاني من هذه الظروف منذ 9 سنوات، يتبلّل شتاءً ويكتوي بحرارة صيفاً.

وأضاف: «الطقس شديد البرودة في الشتاء، أشعر بأن يداي تتجمدان على المقود، ولكن لم أستسلم حتى لا أجلس في البيت، لا أستطيع الاستغناء عن الدراجة».

عبر ياسين صاحب الإنجازات العديدة عن عدم رضاه لما توفّره وزارة الشباب والرياضة من دعم لذوي الاحتياجات الخاصة، وقال إنه لا يشعر بالمواساة بينه وبين الرياضيين الأسوياء، مشيراً إلى يرتبط بعقد أهداف مع الوزارة، وهو عقد بقيمة 10 آلاف دولار لمدة عام واحد يضمن له راتباً شهرياً مقابل تحقيق جملة من الأهداف، وفي حال عجز عن تحقيق نسبة منها لن يتم تجديده.

أوضح ياسين أن المبلغ المخصص له لا يغطي مصاريف المشاركات الخارجية بما في ذلك تذاكر السفر والإقامة والتحضيرات، مضيفاً أنه لم يحصل على راتبه المقدر بـ400 دولار شهرياً منذ 10 أشهر، ومتسائلاً: كيف يمكنه العيش ومواصلة نشاطه الرياضي في ظل هذه الظروف.

ونوّه اللاعب التونسي إلى أن الظروف الصعبة التي تعيشها رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة، جعلت العديد من اللاعبين يعتزلون، وأنه غير واثق من قدرة الاتحاد التونسي على إيجاد جيل يحمل المشعل؛ لأن الواقع الحالي لا يشجع اللاعبين الصغار على ممارسة هذه الرياضة.

يحمل ياسين غصّة في قلبه بسبب الظروف التي وصفها بالمزرية، حيث لا بنية تحتية مهيأة لذوي الاحتياجات الخاصة ولا إمكانيات مادية تتناسب مع الجهود التي يبذلها بشكل يومي، موضحاً أن الإنجازات العديدة التي حققها والأرقام العالمية القياسية، التي حطمها ليست إلا ترجمة لحالة الغضب والاستياء التي يشعر بها داخله بسبب التهميش واللامبالاة، ومؤكداً أنها كلما زادت، زاد معها الإصرار على كسب التحدي حتى تصل الرسالة، وأن تخفق قلوب من يدير رياضتهم.

لم ينس ياسين كيف بدأ مشواره الرياضي باستخدام كرسيّ متحرك قديم يتداول عليه مع لاعب آخر، أحدهما يتدرب صباحاً والآخر مساءً، وختم قائلاً: «الحديث لا ينتهي، من يدير رياضتنا، ليسوا منا ولا يمكنهم أن يشعروا بما نشعر به».

نقطة تحول

أكد ياسين أن بطولة العالم للألعاب البارالمبية 2015 كانت نقطة تحول في مسيرته، حيث شارك ضمن وفد يتضمن 11 لاعباً، نجحوا كلهم في تحقيق ميداليات باستثنائه، فقرر تغيير واقعه رغم قلة الإمكانيات.

وقال: «حاولت أن أبدأ انطلاقة جديدة في حياتي بعد 2015، التحدي الأول الذي وضعته لنفسي هو التأهل للألعاب البارالمبية في ريو دي جانيرو 2016، بدأت في التدريب لساعات طويلة يومياً، رغم الظروف الصعبة، نجحت في تحقيق ميدالية برونزية في 400 متر، تلقيت وعوداً كثيرة بتحسين وضعيتي، لكن لم أحصل على شيء، قلت لنفسي الميدالية البرونزية غير كافية ووضعت تحدياً جديداً في بطولة العالم في لندن 2017، تمكنت من حصد 4 ميداليات، ذهبيتين وفضية وبرونزية، وحصلت على المركز السادس في ترتيب البطولة.

Email