الكفاح ضد المحن

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تقدر المنظمات الدولية، ومنها منظمة الصحة العالمية، عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في وطننا العربي بأكثر من 25 مليون شخص، يعيش عدد كبير منهم تحت خط الفقر رغم الجهود التي تبذلها الحكومات العربية للارتقاء بهذه الفئة وتوفير ظروف العيش الكريم لهم.

وتعدّ الرياضة من أهم الوسائل المعتمدة لإعادة دمج هذه الفئة في المجتمع لما توفره لهم من توازن جسدي ومعنوي، كما تنمي قدراتهم البدنية والذهنية وتخلق لديهم الأمل والإلهام، لكن المثير للاهتمام أن عدد المسجلين في الاتحادات الرياضية البارالمبية يقدر بأقل من 70 ألف لاعب ولاعبة في دولنا العربية مجتمعة، وهو رقم محدود قياساً بعدد السكان الذي يزيد على 400 مليون نسمة منهم 6% ينتمون لهذه الفئة، بينما وصل عدد المسجلين في فرنسا وحدها أكثر من 50 ألف لاعب ولاعبة موزعين على 818 نادياً، مما يؤكد اننا أمام حالات رياضية تكافح ضد المحن.

لا شك أن الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة يختلف من دولة عربية إلى أخرى، حيث تعتبر الإمارات ودول خليجية قليلة في مقدمة الدول الأكثر اهتماماً ودعماً لهذه الفئة، وتشير التقارير إلى أن الإمارات تصرف بين 25 مليوناً و30 مليون درهم سنوياً (6,8 إلى 8 ملايين دولار) على رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة التي أصبح يطلق عليها رياضة «أصحاب الهمم» منذ أبريل 2017، تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إضافة إلى أن الإمارات تعد أول دولة عربية قامت بتطبيق مبدأ المساواة في مكافآت الفوز بالميداليات البارالمبية والأولمبية بمليون درهم.

غياب المساواة

وقد أشادت اللجنة البارالمبية الدولية العام الماضي في اجتماعها بألمانيا بما تقدمه الإمارات لهذه الرياضة، عكس أغلب الدول العربية التي يعاني رياضيوها من ذوي الاحتياجات الخاصة من غياب المساواة بينهم وبين الأسوياء في الحقوق المادية، حيث يحصل الرياضي البارالمبي في مصر على سبيل المثال على 350 ألف جنيه مكافأة التتويج بميدالية ذهبية في دورة الألعاب البارالمبية، بينما يحصل البطل الأولمبي من الأصحاء على 1،5 مليون جنيه عن الميدالية الذهبية.

مقابل ما تنفقه الإمارات على هذه الرياضة فإن إنفاق أغلب الدول العربية على هذه الرياضية سنوياً لا يتعدى 250 ألف دولار، بل إن ميزانيات 80% من الاتحادات العربية لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة لا تتجاوز 150 ألف دولار، وبعضها دون 50 ألف دولار واتحادات أخرى ليس لها أي نشاط محلي أو دولي بسبب افتقادها الإمكانيات المادية.

تهميش

ولعل الواقع الأليم في بعض الدول يؤكد ما تشكو منه رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة أو التي تعرف برياضة المعاقين في أغلب الدول العربية من التهميش والتجاهل بما أن معظم الملاعب والبنية التحتية الرياضية غير مؤهلة لاستقبال هذه الفئة وتفتقر إلى المرافق الصحية المناسبة لهم، بل يلجأ عدد من الرياضيين إلى التدريب في الحقول والأراضي البور واستخدام أدوات تقليدية لعدم توافر التجهيزات الرياضية، وهو ما أكده أحد الرياضيين العراقيين عندما يستخدم حجراً لرميه بدلاً من القرص، فيما اختار لاعبون آخرون الهروب من أوطانهم إلى أوروبا بحثاً عن تحقيق أحلامهم الرياضية.

وفي مشهد آخر يختزل المعاناة، فقد حرمت 400 دولار رياضيين موريتانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة من المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية «ريو 2016»، بسبب عدم دفع «الاتحاد الموريتاني لرياضة المعاقين» مبلغ 400 دولار كاشتراك لدى الاتحاد الإفريقي لرياضة المعاقين.

وشكّل غياب الوفد الموريتاني في هذه الألعاب صدمة كبيرة لنجوم رياضة المعاقين في موريتانيا، ما تسبب في إعلان عدد منهم اعتزال المشاركة في الأنشطة الرياضية.

ومن المؤشرات الخطيرة التي تنذر بتدهور وضعية هذه الرياضة في بعض الدول العربية، أن هذه الرياضة أصبحت بيئة طاردة لهم، ليس في موريتانيا فقط بل في العديد من الدول العربية، حيث تراجع عدد المسجلين في تونس من 4500 رياضي منذ 5 سنوات إلى حوالي 2300 في 2018 أي بنسبة تقدر بـ51%، كما تراجع عدد الرياضيين البحريين المشاركين في الدورات البارالمبية من 12 لاعباً ولاعبة في دورة 1984 و11 في دورة 1988 إلى لاعبين اثنين فقط في «ريو 2016»، وفي الكويت تراجع عدد المشاركين من 30 لاعباً في دورة برشلونة 1992 و26 في سيدني 2000 إلى لاعبين فقط في دورتي لندن 2012 وريو 2016.

90 % يشعرون بعدم المساواة

كشف استطلاع أجرته «البيان»، شمل 90 رياضياً من ذوي الاحتياجات الخاصة من 16 دولة عربية، أن 90% منهم يشعرون بغياب المساواة بينهم وبين الأسوياء على مستويات عديدة، وخاصة في الحقوق المادية، وتحديداً مكافآت الفوز بالميداليات في الألعاب البارالمبية، وطالب هؤلاء بقوانين وتشريعات تضمن مساواتهم وعدم التمييز بينهم وبين زملائهم من الأسوياء، ويشعر 85% من الرياضيين بعدم الرضا عن الخدمات المقدمة لهم، وأن معاناتهم تبدأ منذ الخروج من المنزل، إذ لا تخصص أغلب الاتحادات في الوطن العربي حافلات لهم، إضافة إلى عدم وجود مرافق صحية تتلاءم مع نوعية إعاقتهم، ولا مكان لهم في المدرجات.

ويرى 11% فقط من المشاركين أن المنشآت الرياضية في البلدان العربية ملائمة لممارسة النشاط الرياضي بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، وعبّر 16% عن رضا نسبي، بينما يرى 73% أن البنية التحتية الرياضية غير ملائمة لهم، وأنهم لا يشعرون بالراحة أثناء ممارسة تدريباتهم بسبب عدم وجود بيئة صديقة لهم.

وكشف الاستطلاع أن هناك فروقاً كبيرة على مستوى الاهتمام بهذه الفئة بين الدول العربية، إذ عبّر 15% فقط من المشاركين، وهم أساساً من دول الخليج (الإمارات والسعودية والكويت)، عن رضاهم بنوعية الخدمات المقدمة لهم، وبالاهتمام الموجّه لرياضتهم، وعن تفاؤلهم بزيادة الاهتمام في المستقبل.

شارك في الاستطلاع أبرز اللاعبين البارالمبيين العرب وبعض المدربين والإداريين.

 

Email