وليّ الدّين يكن (1873 ـ 1921)

وليّ الدّين يكن (1873 ـ 1921)

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ديوان خليل مطران قصيدة نظمها رثاء للشاعر الكاتب وليّ الدين يكن، أثنى فيها على الرجل شاعراً وناثراً وفصّل في خصائص نظمه وكتابته، ونوّه ببراعته الفنية العالية ومن شعره فيه:

أجِدّك هل تَسْخُو الليالي بشاعرِ

مُجيدٍ كذاك الشاعر المتفرّد؟

وهل تسمح الأيام بعدُ بناثرٍ

له مثل ذاك الخاطر المتوقِّد؟

ببالغ غايات إليها انتهى النهى

وصائغ آيات لها سجد النّدي

لمعجزه نظماً ونثراً شواردٌ

من الفكر لم تفلل ولم تتقيّد

يراد بها وعر المعاني وصعبُها

بسهلٍ من اللفظ الأنيق المجوّد

والقصيدة بالغة الدقة، والحذق، في تصوير أسلوب (يكن) شعراً ونثراً، وبيان تجويده في جوانب شتّى. وكان ولي الدين يعتدّ بسلامة حاله واستقامة أعماله، وصفاء سريرته، وجدّه في الالتزام بقضايا الوطن، ومما قال من الشعر الذي وضع عند صورته:

أنا لي فؤادٌ لا أنزّههُ

لكنْ يراقبُ ما يقول فمي!

وهو: وليّ الدين بن حسن سِرّي بن إبراهيم باشايكن. ولد بالآستانة وجيء به إلى القاهرة بعد وفاة أبيه ليكفله عمه وكان ناظر المالية بمصر. تلقى تعليمه بمصر منذ السادسة ومال إلى الأدب وعمل بالصحافة وتردد على الآستانه وتولى عضوية مجلس المعارف. نفي في عهد السلطان عبدالحميد إلى سيواس (1902 ـ 1908) وسجل أحداث نفيه في كتاب: المعلوم والمجهول. وتولى في مصر أعمالاً مختلفة. تقاعد سنة 1919 ومات في مستشفى حلوان مستشفياً.

وُصِفَ وليّ الدين يكن بأنّه: «شاعر رقيق من الكتاب المُجيدين». وقد خلّف عَدداً من المؤلفات. وله ديوان طبع سنة 1924 بعد وفاته بثلاث سنوات. وقد انشغل في شعره بقضايا الوطن وهُمومه، مثلما انشغل بقضاياه الخاصّة. وهناك جمهرةٌ من القصائد نظمها في أيام استشفائه التي طالت. وفي الديوان قصائد يحنُّ فيها إلى مصر أيام إبعاده عنها.

ـ ومن شعره تحت عنوان: أيّها الوطن

يبكي بنوك ويضحك الزمنُ

ماذا أصابك أيها الوطن؟

ما أوشكت أن تنتهي محنٌ

إلاّ وجاءت بعدها مِحَنُ!...

العصر راجت سوق باطله

فالحقّ فيه ماله ثمنُ!..

يا قوم قوموا من مضاجعكم

طال المدى حتى مَ ذا الوسنُ؟

ويكثر في شعره الشكوى من الغربة «القسرية» التي دامت ست سنوات، والحنين إلى الأهل والصّحب والولد، وتسري في روح شعره في هذين الموضوعين الرقّة والعذوبة، وتشيع فيه رنات الأسى واضحة، عالية الصّوت.

وأرسل «زفرة إلى صديق» فيها:

كلما مرّ في التباعد يومٌ

جدّد الوجد في الفؤاد الوفيّ

أنا باق على الولاء مقيمٌ

واحتفاظ الولاء دأبُ الوليّ

قد أطال الزمان شقوة حرٍّ

لست ترضى له بجدٍّ شقيّ

أجمل الصّبر وهو للحرّ عجزٌ

علّ دهراً يأتي بأمرٍ جليٍّ

ويتصدّر الديوان، وبعض كتبه صورة للشاعر وهو جالس إلى مكتبه أو بيده ريشة على ورقة وإلى جانبها أدوات أخرى تتعلّق بالكتابة، والتفاتة من الشاعر إلى المصوّر «وإلى الناظر إليه» فيها ملامح من شخصيّته، ولا يصعب على الملاحظ أن يستشف كثيراً معالم تلك الشخصيّة من وراء موقف الصورة وشخصية الشاعر المعجب بنفسه وبقلمه وبمواقفه. وقد «مرّر الشاعر» هذه المعاني في البيتين اللذين سطرهما تحت الصورة وهما:

ما كان أهنأني وأسعدني

لو كان ينفع معشري قلمي

أنا لي فؤاد لا أنزّههُ

لكنْ يراقب ما يقول فمي

وهي مراقبة إيجابية فهو يريد مراقبة الذات للإخلاص للوطن وأهله وإن صعب السير في ذلك الطريق.

Email