لقاء اليوم

د. وائل أبوهندي: القرآن أفضل علاج للأمراض النفسية والعصبية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لمن يسمون أنفسهم معالجين بالقرآن والسنة، دون أدنى دراية بعلوم الطب والبدن، أو كانوا متخصصين بأي نوع من أنواع الطب.

إضافة إلى انتشار السحر والشعوذة في معالجة الأمراض النفسية والعقلية وفي هذا التوقيت تأتي أهمية دور الطب النفسي الإسلامي، الذي يرتكز على العالم والقرآن والسنة النبوية كما لها من روحانية في القلوب وبركة من الله عز وجل، ولا يتعلق هذا العلاج بآيات السحر والجن أو تعاويذ من آيات تكتب على فخذ فتاة مصابة بحالة هيستيرية. ولا على ظهر امرأة مكتئبة، ولا في أوراق مكتوبة يشرب ماؤها، وإنما يتم العلاج بآيات يفهمها ويتدبرها المريض، لأنها تخاطب العقول والقلوب.. ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع أجرينا الحوار التالي مع د. وائل أبوهندي أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق:

* من أين بدأت فكرة العلاج النفسي بالقرآن والسنة؟

ـ بدأت فكرة العلاج في وقت شعرت فيه، كما شعر كل يقظ في بلادنا بأنه جاء الوقت الذي يلزم فيه تحديد المواقف وأن يحدد كل واحد منا من هو وماذا يستطيع أن يفعل فقد أنقسم العالم بالفعل إلى مواليين للغرب دون أي قيد أو شرط أو معاديين له.

وليس هناك أي موقف وسط بين هذا أو ذاك، وأنا كطبيب مسلم شعرت بأن علي عبء تحديد موقفي في مجال عملي، الذي عملت فيه ما يزيد على عشر سنوات بعد الحصول على الدكتوراه، وأحسست أنني لن أستطيع الاستمرار مكتفياً بما تعلمته على أنه الطب النفسي العالمي، وهو في الحقيقة الطب النفسي الغربي.

وطوال سنوات عملي شعرت بأن هناك شيئا ما يفصل بيني وبين الناس، الذين هم مادة عملي، فكثيراً ما أشعر بأن الكثير مما درسته وأتقنت حفظه غير صالح للتطبيق في مجتمعنا، وأن الفجوة كبيرة في الكثير من الأحيان بين ما أحاول إيصاله لمرضاي وبين ما هم مستعدون لتقلبه، ولا يمكنني أن أنسى تعبيرات وجوه بعض مرضاي وتعبيرات وجوه ذويهم إذ ينظر لي بعضهم نظرة تنم عن الاستغراب.

أو عدم الاستيعاب لما أقوله لهم من نصائح يسمونها ذهبية في المراجع الغربية، التي درستها وينظر لي البعض منهم نظرة تنم عن لوعة، فقد أدركوا أنني مسكين يحسب ما تعلمته كافياً لمساعدة الناس وهو في الحقيقة غير ذلك، وبعضهم يقول لي وما لنا نحن بذلك يا دكتور؟

وبعضهم يقول لي النبي عربي ولم يكن مريحاً لي في يوم من الأيام، كما هو مريح للكثيرين أنا وأخلص من هذا الشعور بأن أتهم المجتمع بالجهل والتخلف، فأنا أعرف جيداً أوجه القصور في النظرة المادية الخالصة للإنسان والأشياء، وأعرف أيضاً أوجه القصور في العلم الدنيوي الغربي، التي هي أكبر من أن تسمح لعاقل بأن يقتنع بأن هذا هو كل شيء.

السيد الأوحد

* معنى ذلك أن هناك فجوة بين الطب النفسي والمجتمع الشرقي؟

ـ بالتأكيد فقد وجدت أن المرضى يتفاهمون بشكل أكبر مع المعالج التقليدي بالقرآن أو الشيخ، كما يطلقون عليه، لذلك كان عليّ أن أفتش في أفكارنا وتراثنا كأمة إسلامية، محاولاً للوصول إلى سبب الفجوة التي تفصل بين ما تعلمته على أنه العلم العالمي الوحيد، وبين مجتمعي الذي لا أستطيع أن أتهمه بالجهل والتخلف.

وبدأت رحلة لا أحتسب منها إلا رضا الله عز وجل، ثم شيء من التوفيق بين نظرتين للوجود إحداهما وهي النظرة الغربية التي بدأت بوضع الإنسان مركز الكون على أنه السيد الأوحد، ثم تحولت تدريجياً إلى جعله جزءاً من الكون غير مستقل عنه بحيث تحكمه نفس القوانين، التي تحكم الذرة والجزئي.

وتعتمد نظرية الغرب على فصل الروح عند الجسد والتعامل مع كل منهما على أساس أنه كائن بذاته وهذا يتعارض مع الفطرة الإسلامية، التي ترى الإنسان خليفة للخالق الأعظم استخلفه في الأرض وكرّمه عن سائر المخلوقات ووضع فيه عقلاً وروحاً يسموان به عن سائر الأشياء وتجعلانه كفء لتحمل الأمانة.

* وماذا أوجدت خلال رحلتك في البحث عند التراث الإسلامي للطب النفسي ؟

ـ لقد وجدت الكثير والكثير وكانت أول صدمة لي حين بدأت رحلتي وعلمت وقتها حجم جهلي العظيم بتراث أمتي في الطب النفسي وفي علاج المرضى والمعاملة للمريض كأي مريض عادي، ففي عام 93 هجرية الموافق 707 ميلادية أسس الوليد بن عبدالملك أول مستشفى في التاريخ للمرضى العقلين، وكانت تخصص لهم من بين المال أموال تنفق عليهم للعيش داخل المستشفى وخارجها، إذن فقد كان المريض النفسي يعالج في مستشفى بغداد .

وفي مستشفى قلاوون بالقاهرة في القرن الرابع عشر الميلادي جنباً إلى جنب مع مريض الجراحة والباطنية والرمد في نفس الوقت، الذي كان يعاني فيه المريض النفسي في الغرب من الانعزال عن المجتمع، فقد كانت الكنيسة الأرثوذكسية تعامل المرضى النفسيين بأن عليهم أرواح شريرة، وكانت تعالجهم بالصعب أو العزل أو كانت تحرق المرضى الذين لا أمل لهم في الشفاء.

وما توصل إليه العرب في القرن الرابع عشر الميلادي توصل إليه الغرب بعد مرور أكثر من ستة قرون واكتشفوا بعد ذلك أن أسلوب معالجة المرضى في مستشفى بغداد ومستشفى قلاوون هو أحدث صيحات العلاج النفسي للمريض، فدمجه مع غيره من المرضى له أثر جيد في تصحيح المفاهيم، التي ترى أن المرض النفسي مجلبة للعار ونفصل بين المريض النفسي وبين سواه من المرض، مما يتسبب في إعاقة اجتماعية بعد الشفاء أكثر ما يسببه المرض نفسه.

كما وجدت العديد من الرسائل التي تصف الأمراض النفسية، وتحدد أعراضها وأسبابها بشكل إنما يبعث على الفخر والكبرياء ولست أدري من المسؤول عن حجب كل هذا التراث المشرّف عن الدارسين في بلادنا، ولا أدري من الذي قرر أن أقرأ فقط وصفات الغربيين وأفكارهم، ولا أقرأ مثلاً ما يقوله الشيخ أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ في المنقذ من الضلال والموُصل إلى ذي العزة والجلال .

وهو يصف نوبة اكتئاب حاد أصابته، أو أقرأ ما يقوله ابن سينا مثلاً في تحليله للسلوك ومقالة لإسحاق بن عمران عن مرض المالنكوليا أو الاكتئاب، حيث يصف ابن عمران بعض العوارض المرضية، التي تميز هذه الحالات، ويشرح أيضاً الأعراض السريرية للأصناف المرضية المختلفة من الاكتئاب.

* وكيف استفدت من هذا الكم الهائل من المعلومات؟

ـ أصبح واضحاً بالنسبة لي الفخ، الذي وقع فيه الكثير من علمائنا ومفكرينا ومثقفينا وهو اعتقادهم بأن الفجوة التي يجدونها بين علومهم وثقافتهم وما يعيشه الناس في بلادنا إنما ترجع إلى تخلفنا، وأصبحت على قناعة بأن ذلك غير صحيح فمجتمعنا ليس متخلفاً .

ولا جاهلاً إلا حين ينطلق من مرجعية أن النموذج الغربي المادي هو النموذج الرصيد، وهذه مرجعية أبعد ما تكون إلى الصواب، فعلم النفس والطب النفسي لم يكن يوماً وليد النهضة الأوروبية .

كما يقال، ولم يكن أحد إفرازات الحضارة الغربية، ولكن شاء الباحثون في علم النفس أن يتركوا أو يتناسون التاريخ والغوص في عالم النفسية البشرية، ولربما مالوا كل الميل ولا نقول بانحيازهم كل الانحياز إلى ما كتب حديثا وسهلت طباعته وتيسر نشره ولم تكن تهمهم تلك الجذور النفسية الموجودة في خضم الفكر القرآني والحضارة الإسلامية.

أسئلة جوهرية

* معنى ذلك أن الطب النفسي موجود منذ القدم فلماذا ظهر الاهتمام في الوقت الحالي؟

ـ لعل هذا الأمر يتخذ الآن أهمية قصوى، وقد بدأت تغزو صيحات الصحة النفسية الغرب، ومجتمعنا الشرقي فبدأنا نرى أسئلة كثيرة عند اليوجا والرياضات الروحية الغربية ووجدنا لها مراكز مخصصة في تناولها، مع أن هناك اختلافاً جوهرياً في تناول موضوع الصحة النفسية ما بين علماء الغرب وأطباء النفس الغربيين وبين تناول العلماء والمفكرين المسلمين السابقين له، فعلماء الغرب يرون أن أهم مقومات الصحة النفسية هي فقط النجاح في حياة الإنسان المادية والدنيوية.

و قدرته على تحمل مسؤوليات الحياة ومواجهة ما يقابله من مشكلات وتوافقه مع نفسه ومع غيره من الناس، ويغفلون ما غير ذلك إغفالاً تاماً، أما علماء المسلمين ومفكروهم فيرون أن أهم مقومات الصحة النفسية هو توافق الفرد معربه وتمسكه بعبادته وتقواه سبحانه وتعالى.

ومن الواضح أن انتهاجنا كأطباء نفسيين مسلمين لمنهج الغرب لم يحقق نجاحاً، لأن المجتمع المسلم بطبيعته لا يستطيع إغفال العلاقة بين توافق الفرد مع دينه وربه وبين ما يحسه من أمن نفسي، وأرى أن الأجدر بنا أن نتواصل مع جذورنا نحن لكي نستطيع التأثير في مجتمعنا بشكل يفيد ويثمر.

وقد بدأ بعض علماء النفس الغربيون المحدثون يدركون أخيراً أهمية ان الإيمان بالله تعالى فرصة الإنسان النفسية إذ أنه يمده بطاقة روحية يعينه على تحمل الكثير من مشاق الحياة، وتسانده على التخلص من الكثير من القلق، لكن من يتبعون هذا الرأي قلة لا يشجعهم أحد على هذا الاتجاه في المجتمع الغربي.

* كيف يتم العلاج النفسي بالقرآن الكريم والسنة النبوية؟!

ـ يقوم الطب الإسلامي على صورة الإنسان في الإسلام والنظرة الإسلامية الشمولية للوجود والإنسان، ولذلك يتميز عن غيره بصورة الإنسان الشاملة الجامعة للجسم والنفس معاً لوحدة متماسكة لا تتأثر بتغيرات التيارات الفكرية المتقلبة والمحدودة في قفص المادة، ولقد حاولت أن أقدم بعض النماذج التي يمكن أن تساعد في علاج أمراض نفسية كالقلق العام والاكتئاب.

إضافة إلى العقاقير اللازمة تبعاً لشدة الحالة المرضية، أي أنه أسلوب علاجي يضاف إلى أدوية المريض المتدين، وربما يكون كافياً وحده في حالات، مثل: اضطرابات التأقلم، أو الحالات الخفيفة حسب معايير التشخيص في الطب النفسي.

ويمكننا أن نسميه محاولة لوضع حجر أساسي لعلاج معرفي يتناسب مع بيئتنا المسلمة، فالعلاج المعرفي كما قلنا هو محاولة يقوم بها المعالج لتغيير بعض الأفكار التي يعتبر بها المريض من المسلمات التي لا تحتاج مناقشة في منظومته الفكرية، بينما هي في حقيقتها أفكار خاطئة وغير قائمة على دليل منطقي.

ولا يمكن أن تتحدث عن العلاج بالقرآن بأنه من منطلق أن جميع الاضطرابات النفسية ناتجة عن مس أو تلبس بالجان ولا عن ضعف في الإيمان، لأنها ليست كذلك وإنما على أساس أن القرآن هو أسمى ما لدينا من فكر وهدى نتفق عليه جميعاً، فمثلاً إذا أردنا دعوة المريض إلى التفاؤل وعدم اليأس حسبنا أن نذكره بقول الله تعالى (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وإذا أردت تذكير المريض الواقع في كرب وضيق أو أي مشكلة حياتية تواجهه.

وقد أحسن أنه وحيد، فلماذا لا أناقشه في أمر صلته بالله عز وجل؟ فقوة الصلة بالله عز وجل أمر أساسي في بناء حياة المسلم النفسية، حتى تكون حياته خالية من التلف والحزن والفن، أما في حالات الثبات والتوازن الانفعالي، فالإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقر المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب.

والتراث الإسلامي بما يفيد في علاج مرضى الوساوس سواء كانت من النوع المنتمي للأسواق القهري أو لأي من لأنواع الإرهاب مقولة أعتبرها الركيزة الأولى للعلاج المعرفي السلوكي، ولا تزال الأمثلة وفيرة ومعظمها لا يحتاج إلى تعليق بل يحتاج لحسبة أنه يخرج من القلب إلى القلب.

ولكنني أعود لأؤكد أن تحديد المريض المناسب والكلمات المناسبة لحالته لهو أمر يحتاج إلى من يعرف جيداً عوارض وأبعاد الأمراض النفسية وكيفية التعامل معها ومتى تحتاج إلى هذا العلاج المعرفي مع الدواء ومتى يكون كافياً وحده، ومتى يكون غير صالح على الأقل في مرحلة معينة من العلاج.

أساس معرفي

* وهل هناك فرق بين العلاج النفسي بالقرآن الكريم وعلاج المس والسحر والحسد؟!

ـ بالتأكيد هناك فرق بين العلاج بالقرآن الكريم على أساس فكري معرفي واضح من قِبل من يعرف ما هو المرض وما هي أشكاله وأسبابه، وبين ما ينسب من المرض النفسي إلى فعل الجن، فالرابط بين الأمراض النفسية والجن هو العلاقة بين كلمة الجنون المأخوذة منها كلمة الجن، فأنا طبيب نفسي مسلم أؤمن بوجود المس والسحر والحسد.

ولكنني ضد من يتعامل مع آيات القرآن وكأنها تعاويذ يؤثر بها في الجن، وما إلى ذلك ويفعل أشياء ما أنزل الله بها من سلطان ربما يصدقها هو نفسه إن كان سليم النية ويصدقها الآخرون على أنها دلائل على وجود الجن في بدن المريض.

لكن الذي يشعر المسلم العالم بحقيقة الأمور ويخجله هو أن المنوم المغناطيسي أيا كانت ديانته للأسف يستطيع أن يفعل نفس الأفعال، التي يفعلها ذلك الشيخ الهمام، فيجعل المريضة تتكلم بصوت رجل والعكس دون أن يستخدم شيئاً من القرآن فكل هذه الممارسات ما أنزل الله بها من سلطان ولا تحتاج إلا لمريض لديه قابلية عالية للإيحاء ورغبة غير واعية.

وبالتالي في إسعاد المعالج أياً كان فيجد نفسه يفعل ما يريده المعالج ويحسب الأخير نفسه قد انطلق كما يحسب الكثيرون لهذا لا أستطيع كطبيب مسلم أن أدّعى أن علاج، مثل هذه الحالات خارج تخصصي ولا أستطيع كمثقف مسلم أن أقبل بالوضع، الذي يسمح لأي شخص يدّعي أن لديه العلم بالأمراض النفسية وعلاجها حتى وإن كان عالماً بالقرآن وعلوم الدين، لأن علم الأبدان غير علم الأديان.

وما النفس إلا انعكاس لحالة البدن ومن يعالج الأمراض النفسية لابد أن يكون عالماً بماهيتها وبالتغيرات البدنية المصاحبة لها، كما أن من يسمح له بالتصدي لآلام الناس وأوجاعهم لابد أن يكون كفئا لذلك.

القاهرة ـ فاطمة الزهراء كامل :

Email