العبر في استيحاء الصور

مُصطَفى صَادق الرّافعي (1881 ـ 1937)

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الأدباء الذين لا تزال كُتبهم ـ في أكثرها ـ تُطبع وتستمر في التداول، وتستحق المتابعة، وتحظى بالدراسة: مصطفى صادق الرّافعي الذي ملأ الساحة الأدبية في زمانه، وشغلها بحيز واسع بعد وفاته.

والرافعي من أسرة من طرابلس الغرب في الشام (لبنان الآن) ولد في بهتيم، وتوفي في طنطا من القطر المصري، واشتهر شاعراً، وكاتباً، ومؤلفاً، ومشاركاً قوياً في القضايا الأدبية والثقافية التي أثيرت في زمانه، وكان له ردّ قوي على كتاب د. طه حسين (في الشعر الجاهلي) طبع باسم المعركة، وألف تاريخ آداب العربية (1 ـ 2) واتبعه بـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وتحت راية القرآن.

والرافعي كاتب وشاعر مكثر (ديوانه من ثلاثة أجزاء) واشتهرت مقالاته التي جمعت بعنوان (وحي القلم) ولا يزال كتاباً مقروءاً يحتفظ بقدر كبير من الحيوية.

واشتهر الرافعي بمؤلفاته التي عالج فيها قضايا الحب واسترسل فيها في الوجدانيات، وهي تنم عن كاتب مرهف الحسّ، متقن للغة، قادر على جلاء الفكرة وعلى استنباط الجديد المُعجب. قال الزركلي: شعره نقيّ الديباجة على جفاف في أكثره.

ونثره من الطراز الأول، ومن مؤلفاته المميزة بأسلوبه الخاصّ: أوراق الورد والسحاب الأحمر ورسائل الأحزان وحديث القمر.. وله في الحبّ كلام شديد الرقة والخصوصية.

وقد كتب الرافعي تحت صورته هذين البيتين: قال:

ارسْمُوا شخص الوَفا ثمّ.. انظروا من بَعْدُ رَسْمِي

لو يُسَمّى في الأنام ال.. حُبُّ ما اختار سوى اسمي!

فقد اعتدّ الرافعي بأمرين اثنين: فلو تمثل (الوفاء) بشراً أو صورة حيّة لكان هو صورة الوفاء والأمر الثاني أن الحب لو اختار اسماً من أسماء الناس يدل عليه لكان اسم مصطفى صادق الرافعي.

وقال د. ضيف في ترجمته: يقال إنّ الرّافعي عَرف الُحبّ في (إيتاي البارود).. وفسح للغزل في دواوينه، وأخرج كتابه (حديث القمر) 1912 بعد رحلة طاف بها في لبنان وعرف شاعرة كان بينه وبينها حديث عاطفي طويل في الحبّ، ومن ثم كان الكتاب فصولاً في الحبّ والجمال والزواج والطبيعة تتخللها أشعار متفرقة.. الخ وحظي الحبّ من الرافعي بعناية ومتابعة في معظم كتبه النثرية الفنية الأخرى.

وشعره الغزلي يميل إلى التقليدية في مقدّمات بعض قصائده حيث تظهر سمات كلاسيكية مصنوعة، تكاد تغيض فيها الذاتية والوجدانية كقوله في مقدمة قصيدة مدح فيها صديقه الشاعر عبد المحسن الكاظمي (1865 ـ 1935) كان يلقب بشاعر العرب من العراق نزل القاهرة وتوفي فيها)، قال:

ما الحبّ إلا أن تكون مملّكاً

ونذلّ يا ملك القلوب ونَخْضَعا

زعم الوشاة بأنني لك (صارمٌ)

أو ما رأيت لكل واش مَصْرَعا؟

ولو ان حَبْل هَواي كان مقطعاً

ما بات قلبي في هواك مقطعا!

ولكن الرافعي ينطلق على سجيته في القصائد والمقطوعات الخالصة

لغرض الغزل، كقوله من قطعة بعنوان (القلب المتعب):

لي قلبٌ كلّه صدأ

من غبار الهَجْر والمِحَنِ

فيه من صدع الهوى أثرٌ

هو باب الهمّ والشجنِ

أَغرقته الحادثاتُ إلى

أنْ رَماه شاطيء الزمن

مَنْ لعيني أنْ تلمَّ بِها

خلسَةً من غفلةِ الزّمنِ

أَشتكي فيها بلا عذلٍ

وأُريح النّفسَ من بَدني

ليت شعري ما أفدت إذا

قَصَفت كفّ الهوى غُصني؟

بعتُ أيامي بلا ثمنٍ

واشتريتُ الموتَ بالثمنِ!

ووصل الشاعر بين الحبيب، وبين الأديب ـ يذكر نفسه ـ في نوع من ظهور الذّات الذي لمحناه في البيتين المدونين على صورته، قال:

أسمّيك الحبيب وذا زمانٌ

تناسى أهلهُ معنى الحبيب

وتدعوني الأديب وذي بلاد

تغافل أهلهنّ عن الأديب

وليسَ بضائري من جهل قومي

إذا لم يعرفوا قدر اللبيب

فما كل اللحاظ إذا ترامَتْ

تطلّ من العيون على القلوب!

Email