هدي القرآن

بين الحق والباطل

ت + ت - الحجم الطبيعي

جعل الله الحق من أسمائه .. وهو الحي الباقي الذي لا يزول وهذه حقيقة لدنية. واتباعه مطلوب شرعاً وعقلاً . ولقد تحدث القرآن عن الحق والباطل في مواطن كثيرة سوف نتعرض لها لنأخذ العبرة والعظمة مما جاء عن الحق والباطل من أخبار السماء ونبدأ بحول الله وقوته بقوله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق ) سورة لقمان. الله هو الحق وكل شيء غيره يتبدل وكل شيء غيره يتحول وتلحقه الزيادة والنقصان وتتعاوره القوة والضعف والازدهار والذبول، والإقبال والإدبار، وكل شيء غيره يوجد بعد أن لم يكن ويزول بعد أن يكون وهو وحده سبحانه الدائم الباقي الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يحول ولا يزول .

والحق والباطل ضدان أو نقيضان، والصراع بينهما ممتد عبر الأزمنة ولقد تكفل الله بنصرة الحق وأهله، ودحض الباطل ومن اتبعه .. إذا اشتد الصراع بين الحق والباطل كانت النصرة للحق لا محالة وإذا كان الصراع بين باطل وحق فسرعان ما يزهق الباطل، لأن هذه هي القاعدة المسلم بها، أما إذا كان الصراع بين باطل وباطل فقد يدوم طويلاً بخلاف الحق وذلك تأديباً من الله وعقاباً لأهل هذا الباطل. ومن أمثلة القرآن التي تحمل المعاني السامية ما ورد في سورة ( الرعد) والمثل المضروب فيها مظهر من مظاهر قوة الله الواحد القهار.

« أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال » سورة الرعد. إنه مثال للحق والباطل في هذه الحياة . الباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابياً طافياً ولكن ماهو إلا زبد أو خبث ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحاً لا حقيقة له ولا تماسك فيه، فلا ثبات للباطل ولا دوام وكما أن الزبد لا يثبت مع الماء بل يتفرق ويتمزق وتنسفه الرياح، شبه الله الباطل بالزبد النافش الرابي المنتفخ .. لكنه .. غثاء .. لا قيمة له ولا قدر والماء من تحته ثابت هادئ .. ولكنه يحمله .. والحق هادئ ساكن .. باق في الأرض كالماء المحيى لها.

لقد قبح الله الباطل وأهله ووصفهم بأوصاف متدنية، ووصف الحق والذين يتبعونه بأوصاف تبهر النفس وتبعث فيها العزة، فالسنة التي لا تتخلف أن يغلب الحق في النهاية وأن يزهق الباطل، لأن الحق قاعدة كونية بل وغلبته سنة إلهية. والباطل ليس قاعدة أو أركاناً، هو زبد يذهب جفاء: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق «سورة الأنبياء» ولابد أن يكون كذلك . ( زاهق) أمام زحف الحق وقذف الله به عليه. وغلبة الحق مؤكدة.

إنما الناموس المقرر والسنة المطردة ألا يكون هناك لهو، إنما يكون هناك جد، ويكون هناك حق، فيغلب الحق الأصيل على الباطل العارض لأنه كان زهوقاً أينما حل .. سوف يغلب .. ويزهق. والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية متحركة فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة: تقذف به على الباطل فيشنق دماغة! فإذا هو زاهق هالك ذاهب .. مغلوب مهزوم .. داحض .. هكذا جرت السنة في الحق والباطل. إن الحق قوة رهيبة ترهب الباطل وأهله لأن الحق أصيل في طبيعة الكون، عميق في تكوين الوجود.

والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلاً طارئاً لا أصالة فيه ولا سلطان له، ضعيف هين مترد هاو إلى الأرض. يطارده الله ويقذف عليه بالحق فيدمنه، ولا بقاء لشيء يطرده الله، ولا حياء لشيء تقذفه يد الله فتدمغه، وهذا مايقرره العليم الخبير قد يبدو في فترة أن الباطل منتفش كأنه غالب، ويبدو فيها الحق منزوياً كأنه مغلوب، وإن هي إلا فترة من الزمان يمد الله فيها ما يشاء للفتنة والابتلاء، ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السموات والأرض .

والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده وفى أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه، وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه .. فإذا هو زاهق لا محالة . داحض لا شك .. منزو في مهب الرياح. والمؤمنون لا يخالجهم شك في أنه إذا ابتلاهم ربهم بغابة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة، وأدركوا أنه الابتلاء وأحسوا أن ربهم يريبهم لأن فيهم ضعفاً أو نقصاً وهو يريد أن يمدهم لاستقبال الحق المنتصر والله يفعل ما يريد .. ويفعل ما يشاء، وإن الباطل لزاهق مضمحل ذاهب لا محالة. والحق غالب لا شك في ذلك .

وصدق الله القائل : (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) سورة الإسراء. إن الله أمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقول ( جاء الحق)، إن من طبيعة الحق أن يعيش ويصمد، ومن طبيعة الباطل أنه يتوارى .. ومجيء الحق ليس شيئاً عارضاً، بل هو إعلان عن مجيئه بقوته وصدقه وثباته وصلابته في وجه الباطل الداحض البغيض الزهوق المندحر.

إن من طبيعة الحق أنه يعيش ويصمد، ومن طبيعة الباطل أنه يتوارى ويزهق ويذهب سدى، لأنه شبيه بالزبد لا سلطان له ولا قوة تؤيده. إن الباطل هش سريع العطب، كشعلة الهشيم ترتفع في الفضاء عالياً ثم تخبو سريعاً وتستحيل إلى رماد، بينما الجمرة الذكية تدفئ وتنفع وتبقى. (إن الباطل كان زهوقاً) لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته إنما وهنت أسانيده ونخلخلت عوامله فهو أمام الحق يتهاوى وينهار.

فأما الحق فمن ذاته يستمد عناصر وجوده وقد تقف ضده الأهواء وتقف الظروف، ولكن ثباته واطمئنانه يجعلان له العقبى ويكفلان له البقاء لأنه من عند الله الذي جعل (الحق) من أسمائه .. وكفل له البقاء ما بقي البشر ينتشرون في الأرض . ( إن الباطل كان زهوقا) .. ومن ورائه الشيطان العدو والمضل المبين وصدق الله وعده وعهده .. ( ومن أوفى بعهده من الله) 111- التوبة .

رجاء علي

Email