شرع الله

تحريم القمار

ت + ت - الحجم الطبيعي

حرم الله القمار أو الميسر بقوله (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فإننا إذا نظرنا إلى القمار وجدناه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس ويولد الحقد بينهم، فيخسر الخاسر ويخرج المال من يده من غير مقابل كما هو في البيع والشراء، فيحقد الطرف الخاسر على الطرف الفائز، وتنشأ عن هذا الحقد أمراض خطيرة كقتل النفس وغيره.

والمقامر أيضاً ينجر من مقامرة صغيرة إلى مقامرة أكبر ليعوض خسارته، إلا أنه يقع في خسارة أخرى وأخرى ثم إنه ربما راهن على كل ثروته في النهاية ليعوض خسارته السابقة فيخسرها في دقائق، فهل يمكن تصور ما يشتغل في صدره من حقد وعداوة وبغضاء تجاه من كسبوا المقامرة؟ ولا يقتصر شعور العداوة على ما بين المقامرين، بل يمتد ليشمل العلاقة بين المقامر وأسرته، فهو حرمهم من ضروريات الحياة ليضيعها على موائد القمار.

ثم إن القمار أيضاً من شأنه التلهي وضياع الوقت فيما لا طائل من ورائه وضياع أوقات الصلاة والانصراف عن العبادة وعن ذكر الله، إنه شخص قاسي القلب لا ينتبه إلى ذكر الله سواء ربح المقامرة أو خسر، فإذا خسر انشغل قلبه بالخسارة وخارت أعصابه، وإذا ربح أنسته الفرحة بمكسبه الآثم كل شيء إلا في محاولات لكسب المزيد، وهذا الرجل لا يمكن أن يكون ذاكراً لله مقبلاً عليه.

والقمار أيضاً وسيلة للكسب من غير عمل منتج يفيد المجتمع، والمفروض أن يكون كسب الرجل من عمل يعود عليه بالربح وعلى الاقتصاد العام بالتقدم، إلا أن القمار يقتل روح الكفاح والعمل في نفوس المقامرين فلا يتخذون حرفة ولا عملاً شريفاً يتكسبون منه، هذا العمل الشريف يعود بالنفع على الجماعة حاضراً وآجلاً، فالصناعة تنتج الآلات المفيدة والسلع المفيدة للناس،

والزراعة تنبت الخضار والفواكه التي يقتات منها الناس، والتجارة تقرب السلع إلى المستهلك وتنقلها من بلد إلى بلد من أجل وصولها إلى راغبها، إلا أن القمار لا يقوم بذلك كله، بل هو تدوير الأموال من يد إلى يد أخرى من غير تنمية حقيقية وتطوير وعمران. والقمار كذلك يتضمن معنى الربا، إذ إن المقامر أو المراهن يدفع أحياناً مبلغاً ضئيلاً ويتلقى إذا كسب المقامرة مبلغاً أكبر قد يكون عدة أضعاف المبلغ الذي دفعه، فالقمار صنو الربا في الضرر والغرر.

وربما يسأل سائل عن المنفعة في القمار التي ذكرها الله بقوله (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما) فهل في الميسر منفعة؟ الجواب عن ذلك أن نعرف الميسر الذي كان في الجاهلية، فقد كان الميسر عندهم من نوع القمار الخيري كما يسمى اليوم، فقد كان العرب يشترون الجمل فإذا ربح المقامر وزع لحم الجمل على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً،

فميسر الجاهلية أقل ضرراً من ميسر الجاهلية المعاصرة التي تطلب الربح لنفسها ويرجع الربح كله من ملذات المقامر دون أن يتصدق بشيء منه للمحتاجين، فهذا ما قصده الله من المنفعة، وهي مآل الجمل الذي قامروا عليه إلى المساكين والمحتاجين، إلا أن الأضرار التي ذكرها الله عنها تفوق بأضعاف مضاعفة هذه الحسنة فقال (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).

فقال الصحابة: انتهينا يا رب، فقد انصاعوا للأمر الإلهي من أول كلمة، وقد علموا أيضاً أضرارها ومفاسدها، فجاء الأمر الإلهي مطابقاً لما استقر في أذهانهم من مآلاتها الفاسدة. ونحن اليوم كدعاة إلى الله أن نبين الحكم الإلهي فيها، كما نبين المفاسد التي دلنا العقل عليها، ولا مانع من الاستشهاد بأقوال غير المسلمين بما يطمئن المسلم بشرع الله أكثر، فإن النفس قد تركن إلى المصلحة الدنيوية، وتشمئز أيضاً من ارتكاب أمر ما إذا رأت ما آل إليه الناس ممن ابتلاهم الله به.

زكريا الطحان

Email