كنوز المخطوطات

الجواهر المكللة لمن رام الطرق المكمّلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكد ينقطع نزول الوحي إلا وكتاب ربنا قد حفظت القلوب أمره ونهيه، وأقامت الألسنة نظمه ولفظه، نزل بلسان عربي مبين، على محمد نبينا الأمين، فقرأه على الناس فاستمعوا له وأنصتوا، وبينّه لهم فخضعوا له وامتثلوا، فلا بيان كبيانه ولا لسان كلسانه، ولا قرآن إلاّ ما قرأه أو أقرّه.

وكتاب ربنا ما انتسب إليه منتسب إلاّ رفعه وأبقى ذكره، فهذا نافع، وذاك حمزة، والكسائيّ، وابن عامر، وابن كثير، و...، أولئك الذين أقرؤوا القرآن، مَنْ منّا مَنْ لم يطرق سمعَه ذكرُهم؟ والعلم الذي جمع هؤلاء الأئمة وغيرهم ممن ماثلهم في علمهم هو علم القراءات، الذي يبحث في كيفية أداء كلمات القرآن الكريم واختلافها، وهو من أشرف العلوم موضعاً، وأعلاها نسباً.

والكتاب الذي بين أيدينا ينتسب إلى هذا العلم الشريف، أما مؤلفه فهو العوفي، محمد بن أحمد، عالم بالقراءات، عارف بالتفسير، توفي سنة 1050ه. له مؤلفات عدة منها: (التسهيل وشفاء العليل)، و(تلخيص النشر لابن الجزريّ)، و(الدر المنثور لمن التقطه في القراءات العشر من النهج المنشور)، و(الجواهر اليمانية في رسم المصاحف العثمانية)، وغيرها.

أما كتابه (الجواهر المكللة لمن رام الطرق المكملة) فهو كتاب في القراءات العشر فرغ من تأليفه سنة 1049هـ بحسب ما نصّ عليه في آخره، وقد اختصره المؤلف من كتابه المسمّى بـ (جد المعاني وكنز السبع المثاني)، قاصداً بهذا الاختصار التيسير لمن يتعلّمه ويعلمه.

وقد أورد في الباب الأول من كتابه أسماء القراء ورواتهم، الذين تضمن الكتاب قراءاتهم، وهم «نافع من روايتي قالون ثم ورش عنه، وأبو جعفر من روايتي ابن وردان وابن جماز، وهما المدنيان، وابن كثير من روايتي البزي وقنبل عن أصحابهما عنه، وهو المكيّ، وأبو عمرو البصريّ من روايتي الدوري والسوسي عن اليزيدي عنه،

ويعقوب الحضرمي من روايتي رويس وروح عنه، وابن عامر الشامي من روايتي هشام وابن ذكوان عن أصحابهما عنه، وعاصم من روايتي شعبه وحفص عنه، وحمزة من روايتي خلف وخلاّد عن سليم عنه، والكسائي من روايتي أبي الحارث والدوري عنه، وخلف في اختياره من روايتي اسحاق الوراق وإدريس»، ثم أعقبهم بذكر أصحاب الطرق عن الروايات.

لا يخفى على من له علم بكتب القراءات أن المؤلفات في هذا الفن غالباً ما تكون مادتها على قسمين رئيسين، أولهما في أصول القراءة، وثانيهما في فرش الحروف مرتبة مادتها على حسب ترتيب سور القرآن الكريم وآياته، وصاحب الجواهر المكللة، سائر في ركاب من تقدمه في هذا التقسيم العام.

فأما ما يتعلق بأصول القراءة فقد نسج المؤلف مادتها على أبواب وفصول ومسائل، ابتدأها بـ (باب في أسماء القرّاء ورواتهم)، وختمها بـ (باب البسملة) قبيل باب الفرش.وأما مادة فرش الحروف فابتدأها بسورة الفاتحة، وختمها بـ (باب في التكبير)، بعد أن أنهى اختلاف القرّاء في جميع سور القرآن.

وأما منهجه في عرض مادته، فقد كان الاختصار يغلب على كلامه، ولكن مع دقة في ذكر الأحكام، ونسبة الآراء، مشيراً في بعض الأحيان إلى ما قرأه هو على شيوخه.والمادة مع اختصارها قد حوت درر أئمة هذا الفن، كالداني، ومكيّ، والشاطبيّ، وغيرهم، مع فوائد شتى منقولة عن أئمة القراءة، واللغة، والنحو، وذلك مما يتضح بعضه في النماذج الآتية:

* نماذج من المخطوط

النموذج الأول: «فصل: وأما هاء الضمير فاختلفوا في جواز الإشارة فيها بالروم والإشمام على أربعة مذاهب:

الأول: الجواز مطلقاً: وهو الذي في التيسير، وعليه العمل، وهو أيسر المذاهب.

الثاني: المنع مطلقاً من حيث إن حركتها عارضة، وهو ظاهر من كلام الناظم، والوجهان جيدان حكاهما الداني في غير التيسير.

الثالث: المنع، إذا كان قبلها ضمّ، نحو: يعلمه، وأمره، أو كان قبلها واو ساكنة، نحو: خذوه فاعتلوه، ليرضوه، أو كان قبلها كسرة، نحو: به، وبربّه، أو كان قبلها ياء ساكنة، نحو: فيه، وإليه، وهو مذهب حسن، وقد ذكرنا وجهه في غير المختصر.

الرابع: الجواز إذا لم يكن قبلها ذلك، وهو الذي قطع به أبو محمد مكيّ، وأبو عبد الله بن شريح، والحافظ أبو العلاء الداني، وأبو الحسن الحصري، وإليه أشار الحصري، وأشار إليه أيضاً أبو القاسم الشاطبي، والداني في جامعه، وهو أعدل المذاهب».

النموذج الثاني: «فصل لم يجز أحد من محققي القراء وفاقاً للقراء روم الفتحة البنائية ولا الإعرابية، نحو: كيف، وإنّ والصراط، وهو معنى قول التيسير: ولا يستعملونه في النصب.

قال صاحب المصباح: إلاّ على شذوذه، وأجاز قدوة النحاة سيبويه وأتباعه روم الفتحتين، والحاصل أنّ الروم والإشمام في المفتوح جائز في اللغة لا في القراءة».

حوت خزائن مركز جمعة الماجد نسختين مصورتين من هذا السفر الجليل:

الأولى: محفوظة في المركز برقم (4596)، وهي مصورة عن نسخة أصلية محفوظة في مكتبة معهد الاستشراق في روسيا الاتحادية برقم (1676 B)، وعدد أوراقها (70) ورقة، تقع ضمن مجموع من (171 ـ 240)، وتاريخ نسخها سنة (1177ه).وهي نسخة مقروءة واضحة، كتبت بخط نسخي جميل، كتبت عناوين المباحث الفرعية على حاشيتها.

الثانية: محفوظة في المركز برقم (11559)، وهي مصورة عن نسخة أصلية محفوظة في مكتبة المسجد الأقصى في فلسطين برقم (65)، وعدد أوراقها (138) ورقة، وتاريخ نسخها سنة (1193ه)، وهي نسخة مقروءة واضحة مصححة. وختاماً نتوجه إلى كل من تتشوف نفسه للمعالي فنقول: ألا من طالب عالم يتشرف بالانتساب إلى هذا العلم الجليل، فيعمل على إحياء هذا السفر الجليل، ونشره بين أهله من قرّاء القرآن؟

د. هادي أحمد الشجيري

مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث

Email