الاضطرابات النفسية والسلوكية تنشأ منذ الطفولة وتصيب المراهقين

بين فترة وأخرى، قد يلحظ الوالدان بعض التغييرات في سلوك طفلهما، كعدم تكيفه مع أقرانه في المدرسة، أو مع أشقائه في المنزل، لتنطلق بعد ذلك، تجاهه سهام الاتهامات، وتكثر الشكاوى منه؛ لأنه مشاغب أحياناً، ومتأخر دراسياً، أو منعزل عن أصدقائه، على الرغم من أنه يعاني ما يسمى بالاضطرابات النفسية والسلوكية، التي تتطلب مساعدة المختص النفسي في التخلص منها.

نظراً لأهمية الطفولة كحجر أساس لبناء شخصية الإنسان مستقبلاً، وبما أن لها دوراً كبيراً في توافق الإنسان، في مرحلة المراهقة والرشد، فقد أدرك علماء الصحة النفسية أهمية دراسة مشكلات الطفل وعلاجها في سن مبكرة، قبل أن تستفحل وتؤدي إلى انحرافات نفسية وضعف في الصحة النفسية، في مراحل العمر التالية.

وقد أوضحت نتائج الدراسات في مجالات علم النفس المرضي وعلم نفس الشواذ، دور مشكلات الطفولة في نشأة الاضطرابات النفسية والعقلية والانحرافات السلوكية، في مراحل المراهقة والرشد، والمشكلات النفسية عند الأطفال.

كما أخذت هذه الدراسات تتعدد وتتنوع، تبعاً لعوامل عدة، قد تكون جسمية أو نفسية أو أسرية أو مدرسية. فكل مشكلة لها مجموعة من الأسباب التي تتفاعل وتتداخل مع بعضها، لتكشف عن نفسها لدى الطفل. ومن الصعب الفصل بين هذه الأسباب وتحديد أي منها كان سبباً رئيساً في هذه المشكلة.

 سلوكي أم نفسي

 ترى الدراسات أن من السهولة على الأهل اكتشاف في ما إن كان ابنهم يعاني من اضطرابات نفسية أو سلوكية، وذلك من خلال ملاحظة الطفل، حين يتدنى مستواه الدراسي ويتأخر في المدرسة، من حيث الدرجات وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة.

وقد يظهر الطفل تخلفاً أو إهمالاً في واجباته المدرسية، وكثرة شكوى إدارة المدرسة، لعدم تفاعله معها، كما أن هناك بوادر أخرى، مثل انعزال الطفل بشكل تدريجي عن أقرانه، بعد أن كان اجتماعياً يحب اللعب، بالإضافة إلى إصابته بأحلام وكوابيس مزعجة متكررة، وأيضاً إصابته بعناد زائد وعدوانية على إخوانه وأخواته.

ورفض التعليمات الأسرية، والتعامل بسلبية مع الألعاب، والعبث الخطير بالأجهزة الكهربائية.ومن الأسباب الأخرى: شرود الذهن، واللجوء إلى الألعاب الفردية غير الاجتماعية، وعدم مشاركة الأسرة أفراحهم أو اجتماعاتهم، ونقص شهيته للطعام، وفقدانه التدريجي لوزنه، وهو ما يدلل على شعوره الداخلي بالمعاناة والاضطرابات العاطفية، وكذلك البكاء شبه المستمر لأتفه الأسباب، ما يدفعه إلى تحطيم أدوات وأثاث المنزل.

 بين البيت والمدرسة

 يقول أحد الاختصاصيين النفسانيين: إن لكل طـفل فرصـتين، ترسمان الطريق القويم لحياته النفسية؛ الفرصة الأولى: هي المنزل الذي يتلقى فيه أولى دروس التنشئة والتوجيه السلوكي، والفرصة الثانية: هي المدرسة. ولأن ما تقدمه الأسرة للطفل، له التأثير ذاته الذي تتركه المدرسة فيه.

فإن التوافق في ما بينهما أمر ضروري لإقامة حالة من التوازن، بين تأثير الفرصة الأولى والثانية. ولهذا يقتضي إقامة أكبر قدر ممكن من التعاون بين العائلة والمدرسة، لتحقيق هذه الغاية. وإن لم يتحقق ذلك، فإن الطفل يستغل أضعف المجالين، سواء كان ذلك البيت أو المدرسة، لممارسة انحرافه عن النهج السوي في السلوك.

 المعاملة القاسية

 هناك مجموعة عوامل؛ متعددة ومتداخلة ومعقدة، تعمل بشكل أو بآخر، وتؤدي إلى الاضطرابات النفسية في الأطفال والمراهقين، منها:

٪ تعرض الأطفال خلال التنشئة الاجتماعية إلى معاملة قاسية، سواء كانت معنوية أو جسدية. والمحصلة لتلك المعاملة هي فقدان الثقة بالنفس، والشعور بالرعب والخجل والخوف من الاتصال الاجتماعي.

٪ الغيرة التي يشعر بها الطفل نتيجة المعاملة التي يتبعها الكبار معه، والتي تعتمد على المقارنات والإهمال عند الانشغال بطفل آخر، أو بالضيوف والأقرباء.

٪ المشاكل العائلية التي تجعل الطفل حائراً بين الوالدين من ناحية، والجهة التي يؤيدها من ناحية أخرى.

٪ الاهتمام المتطرف بالطفل، والدلال الذي يؤدي إلى الاتكالية، ويفقد الاعتماد على النفس.

٪ استعمال الكبار وسيلة الكذب أو الغش والخداع مع الآخرين، بحيث يتعلم الطفل من ذلك المصدر الذي يعده قدوة له، فكلما أدى سلوكاً من هذا القبيل، أصيب بالتوتر والقلق.

٪ التهديد والوعيد الذي يحدث بين الوالدين، بترك البيت أو الانفصال أو الطلاق، وسواهما من المظاهر التي تهدد اطمئنان الطفل وتسلبه راحته.