المنهج الخفي.. سلوكيات وقيم مكتسبة دون تخطيط أو توجيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

  (هذا المنهج حقيقة تربوية لا نستطيع إلغاء تأثيرها الإيجابي والسلبي في سلوكيات المتعلمين، لذا ينبغي توجيهه لتكون آثاره إيجابية فتظهر في سلوكيات المتعلمين) تلازم الآباء في علاقتهم بأبنائهم الحيرة في بعض الأحيان، إذ يفاجأون باكتشاف أن هؤلاء الأبناء نشأوا نشأة لم يخطط لها، ولبسوا صفات لم يقصد إلباسهم إياها.

هنا تكون الحيرة، ويبدأ الأهل بمراجعة أنفسهم: هل أخفقوا في أمرٍ ما؟ هل هناك تساهل في تربيتهم؟.. أسئلة عديدة تدور في أذهان الآباء، إجاباتها تحتاج إلى وقفة واضحة مع النفس، لمعرفة أين يقع الخلل.

 

 

أثبتت الدراسات العلمية أن الأطفال يتأثرون بما يطلق عليه «المنهج الخفي» بنسبة 70%، مقابل المناهج التي يُخطط لها عن طريق المناهج المدرسية أو البرامج التربوية. وقد عُرف المنهج الخفي بأنه: المنهج المتكون من السلوك والقيم التي تنقل للطلبة بواسطة المعلم أو المدرسة من دون تخطيط. كما يعرف أيضاً بأنه مخرجات المدرسة غير الأكاديمية. وقد عُرف بأنه الخطوات التي تتم في المدرسة، والتي تشمل القيم المكتسبة والتفاعل الاجتماعي التي يتعلمها المتعلمون دون تخطيط.

ويظهر المنهج الخفي من خلال تعامل المعلمين مع الطلبة، وتعامل المعلمين مع بعضهم البعض، وخلال أحاديث المعلمين العلمية والفكرية، وخلال الأنظمة والقوانين والتعليمات التي تفرض على الطلبة، وحتى طريقة جلوسهم في الفصل، وطريقة مزاولتهم للأنشطة. أي أنه يظهر في أي شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي داخل المدرسة.

 

سلبيات وإيجابيات

للمنهج الخفي إيجابيات وسلبيات، بناءً على نوعية المعارف والسلوكيات التي يكتسبها الطالب من المدرسة دون تخطيط وتوجيه مسبق من المسؤولين. فمن أبرز السلبيات: تزييف وعي الطالب، وإبراز الصراع بين ما يتضمنه المنهج الرسمي وما يتعلمه الطالب في الحياة اليومية، وقتل الإبداع، والنزعة الاستهلاكية، وتعليم الطلبة الاتكالية، والنزعة المظهرية.

وذلك عندما يهتم بالشكل دون المضمون... إلخ. فالطالب الذي يتعلم من خلال المنهج الرسمي المخطط (أن التدخين محرم وضار بالصحة)، ويرى معلماً يدخن، ويجاهر به أحياناً عند خروجه من المدرسة.

كذلك محاولة المعلم أن يغرس في طلبته الانتماء، وفي الوقت نفسه نراه يردد أشياء تنسف ما يحاول أن يغرسه، أو معلم يحذر طلبته من الكذب وهو يفعل عكس ذلك. وفي المقابل فإن طلبتنا يتعلمون الكثير من السلوكيات الإيجابية التي قد لا تكون ضمن المنهج الرسمي المخطط أحياناً، مثل: احترام الأنظمة والقوانين والتعليمات، والمحافظة على الأملاك العامة، وكيفية بناء العلاقات مع الآخرين، والترتيب والنظام.. إلخ.

ومع صعوبة ضبط المنهج الخفي والتحكم فيه، إلا أنه يمكن الحد من آثاره السلبية، وذلك بتكوين الوعي بأهمية التعامل الإنساني مع الطلبة، وممارسته عملياً داخل البيئة المدرسية.

وتوجيه الطلبة دائماً بشكل مباشر وغير مباشر إلى الأفضل فكرياً واجتماعياً وسلوكياً، والاستجابة إلى مصالحهم ورغباتهم وحاجاتهم الإيجابية، وذلك من خلال بيئة مدرسية متكاملة، وتخطيط وبناء مناهج ذات صلة وثيقة بالواقع الذي يعيشونه، مع تأهيل وتدريب المعلمين ليكونوا قادرين على أداء واجبهم إنسانياً ووظيفياً.

 

قيم متناقضة

 

 

 

تتجلى مخاطر المنهج الخفي في اكتساب الطفل قيماً متناقضة ومتزعزعة، مما يسبب له صراعاً داخلياً لاختلاف القول عن الفعل، من خلال المواقف اليومية. وقد أكدت ذلك دراسات عديدة في التربية، إذ خلصت إلى أن المنهج الخفي يفرز للمجتمع الشخصيات الآتية:

المشاغب والعدواني.

المتعالم والمدّعي.

ضعيف الشخصية.

 

 

أقوال وأفعال

 

 

يقضي الأب ساعات مع أطفاله ليشرح لهم أهمية الصدق وفوائده، فيعدد لهم نماذج من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في الصدق، لكنه يمارس الكذب على ابنه، ظناً منه أنه لا يعي ذلك، كأن يعد ابنه بإحضار شيء ما ولا يحضره، أو يكذب على الآخرين أمامه. هذه الازدواجية ستؤدي بالطفل إلى الفصل التام بين أقوال الأب وأفعاله، فتصبح هذه الجلسات غير مجدية، ولا تتعدى النصائح كونها كلمات قليلة انتهى مفعولها بمجرد خروجها من فم الأب.

 

الخير والشر

 

 

 

إن مجال تأثير المنهج الرسمي في المتعلم أضيق دائرة، بينما تأثير المنهج الخفي في المتعلم أوسع دائرة. من هنا ينبغي على المدرسة أن تأخذ هذه النتيجة بعين الاعتبار، فتبني لنفسها منظومة من القيم الإيجابية، التي تعمل على إكسابها لطلابها، من خلال توظيف المنهج الخفي، وتنبيه المعلمين إلى أن أقوالهم وسلوكياتهم وأفكارهم تفرز مجموعة من الخبرات الخفية التي قد تحمل الشر وقد تحمل الخير.

Email